إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله ، علي بن أبي طالب. فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : «يا أبا الدّرداء ، أخبرنا ما كان من شأنه وقصّته؟». فأخبرتها الخبر ، فقالت : «هي والله ، الغشية التي تأخذه من خشية الله». ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليَّ وأنا أبكي ، فقال : «ممّ بكاؤك يا أبا الدّرداء؟». فقلت : ممّا أراه تُنزله بنفسك. فقال : «يا أبا الدّرداء ، فكيف لو رأيتني وقد دُعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفتُ بين يدَي الملك الجبّار ، قد أسلمتني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدَّ رحمة لي بين يديّ مَنْ لا تخفى عليه خافية». قال أبو الدّرداء : فوالله ، ما رأيتُ ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (ص). أقول : كلّ مَنْ يُغمى عليه يؤتى إليه بالماء ، فيُنضح على وجهه حتّى يفيق ، إلاّ غريب كربلاء أبو عبد الله الحسين (ع) ؛ فإنّه لمّا سقط عن ظهر جواده إلى الأرض ، واُغمي عليه ساعة ، لمْ يُنضح على وجهه الماء حتّى يفيق ، وإنّما أفاق على ضرب السّيوف وطعن الرماح ، وهو مع ذلك يطلب جرعة من الماء ، وهم يقولون : لنْ تذوق الماء ـ أبا عبد الله ـ حتّى تذوق الموت عطشاً.
فعزَّ أنْ تتلظَّى بينَهُمْ عَطشاً |
|
والماءُ يصدرُ عنه الوحشُ ريّانا |
ونظر أمير المؤمنين (ع) ذات يوم إلى امرأة وعلى كتفها قربة ماء مملوءة ، فحملها معها إلى منزلها ، ثمّ سألها عن شأنها ، قالت : بعث علي بن أبي طالب (ع) بصاحبي إلى بعض الثغور فقُتل ، وترك عليّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء ، وقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة النّاس. فمضى أمير المؤمنين (ع) وبات تلك الليلة قلقاً ، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً مملوءاً من الدقيق واللحم والتمر على كتفه ، فقال له بعض أصحابه : أعطني أحمل عنك هذا؟ فقال : «مَن يحمل عنّي وزري يوم القيامة؟». ثمّ أتى إلى باب تلك الامرأة وقرع الباب ، قالت : مَن في الباب؟ قال : «أنا العبد الذي حمل معك القربة ، افتحي الباب ؛ فإنّ معي شيئاً للصبيان». فقالت : رضي الله عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب. ثمّ فتحت له الباب ودخل ، وقال لها : «يا أمة الله ، إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أنْ تعجني وتخبزي ، وبين أنْ تُعللي الصبيان لأخبز أنا لهم؟». قالت : يا عبد الله ، أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، دونك الصبيان فعلّلهم. فعمدت الامرأة إلى الدقيق تعجنه ، وعمد أمير المؤمنين (ع) إلى اللحم فطبخه ، وجعل يُلقم الصبيان من ذلك اللحم والتمر ، وكلّما ناول صبياً منهم ، قال له : «يا بُني ، اجعل علي بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمركم». ولمّا اختمر العجين ، قالت الامرأة : قُم يا عبد الله