المجلس التاسع عشر
حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا (ع) في أيام عشر المحرّم ، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً ، قال لي : «مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه». ثم إنّه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه ، ثمّ قال (ع) : «يا دعبل ، اُحبّ أنْ تنشدني شعراً ؛ فإنّ هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني اُميّة». ثمّ إنّه (ع) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء السّتر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين (ع) ، ثمّ التفت إليّ وقال لي : «يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت». قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :
أفاطمُ لو خِلتِ الحسينَ مُجدّلا |
|
وقد مات عطْشاناً بشطِّ فُراتِ |
إذاً للطمتِ الخدَّ فاطمُ عندَهُ |
|
وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ |
أفاطمُ قومي يابنةَ الخيرِ واندُبي |
|
نُجومَ سَماواتٍ بأرضِ فَلاةِ |
قبورٌ بكوفانٍ واُخرَى بطَيبةٍ |
|
واُخرَى بفخٍّ نالَها صلواتي |
قبورٌ بجنب النّهرِ من أرضِ كربَلا |
|
مُعرّسُهمْ فيها بشطِّ فُراتِ |
تُوفوا عطاشَى بالفُراتِ فليتَني |
|
تُوفّيتُ فيهِم قبلَ حينِ وفاتي |
إلى اللهِ أشكو لوعةً عندَ ذكرِهمْ |
|
سَقتني بكأسِ الثُّكلِ والفظعاتِ |
سأبْكيهُمُ ما حجَّ لله راكبٌ |
|
وما ناح قُمريٌّ على الشّجراتِ |
فيا عينُ بكّيهمْ وجُودي بعبرةٍ |
|
فقدْ آنَ للتّسكابِ والهَملاتِ |
سأبكيهُمُ ما ذرَّ في الاُفقِ شارقٌ |
|
ونادى مُنادي الخيرِ للصَلواتِ |
وما طلُعتْ شمسٌ وحَانَ غُروبُها |
|
وبالليلِ أبْكيهمْ وبالغُدواتِ |