ولمّا بات علي (ع) على فراش رسول الله (ص) ليلة الغار ، أوحى الله عزّ وجل إلى جبرائيل وميكائيل : «إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلتُ عُمرَ أحدكما أطول من عُمرِ صاحبه ، فأيّكما يُؤثر أخاه؟». فكلاهما كره الموت ، فأوحى الله إليهما : «عبديَّ ، ألا كُنتما مثلَ وليي علي بن أبي طالب ؛ آخيتُ بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثمّ رقَد على فراشه يُفديهِ بمهجته؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه منْ عدوّه». فهبط جبرائيل فجلس عند راسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرائيل يقول : بخٍ بخٍ ، مَنْ مثلك يابنَ أبي طالب والله عزّ وجل يُباهي بك الملائكة! ودرجة الإخوّة درجة عظيمة ومنزلتها منزلة رفيعة ؛ ولهذا لمّا بعث الحسين (ع) ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة ، كتب إليهم معه : «وأنا باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي ، وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وقد قام مسلم بأعباء هذه الإخوّة وحقّق ظنّ الحسين (ع) فيه ، ولمّا خذله أهل الكوفة وتفرّقوا عنه ، وأرسل إليه ابن زياد سبعين رجلاً مع محمّد بن الأشعث ، وسمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال ، علم أنّه قد اُتي في طلبه فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه ، فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مراراً وقتل منهم جماعة ، فلَمّا رأوا ذلك ، أشرفوا عليه من فوق البيت يرمونه بالحجارة ، ويُلهبون النّار في القصب ويرمونها عليه ، فخرج عليهم مُصلتاً سيفه في السّكة ، وهو يقول :
أقسمتُ لا اُقتلُ إلاّ حُرّا |
|
وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكْرَا |
وتكاثروا عليه بعدما اُثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض فاُخذ أسيراً. فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ، ثمّ اتبعوه جسده. ففُعل به ذلك ، فلمّا بلغ خبره الحسين (ع) ، استعبر باكياً ، ثمّ قال : «رحم الله مُسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا».
يا مُسلمُ بنَ عقيلٍ لا أغبَّ ثرَى |
|
ضريحِكَ المُزنُ هطّالاً وهتّانا |
بذلتَ نفْسكَ في مرضاةِ خالِقِها |
|
حتّى قضيتَ بسيفِ البغْي ظمْآنا |