يُوصف بالرّقة. مؤمنٌ لا بعبادة ، مدركٌ لا بمحسّة ، قائلٌ لا بلفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة ، خارجٌ عنها على غير مباينة ، فوق كلِّ شي ولا يُقال له فوق ، أمام كلّ شيء ولا يُقال له أمام ، داخلٌ في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج». فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثُمّ قال : تَاللهِ ، ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله ، لا عُدت إلى مثلها أبداً. ثُمّ قال (ع) : «سلوني قبل أنْ تفقدوني». فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكّئاً على عكّازه ، فلمْ يزلْ يتخطّى النّاس حتّى دنا منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النّار؟ فقال (ع) له : «اسمع يا هذا ، ثمّ افهم ثمّ استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالمٍ ناطق مستعملٍ لعلمه ، وبغنيٍّ لا يبخل بماله عن أهل دين الله عزّ وجل ، وبفقير صابر ؛ فإذا كتم العالمُ علمه ، وبخل الغنيُّ ، ولمْ يصبرْ الفقير ، فعندها الويل والثبور! وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلى بدئها. أيّها السّائل ، لا تغترنّ بكثرة المساجد ، وجماعة أقوام أجسادُهم مجتمعة وقلوبهم شتّى. أيّها السّائل ، إنّما النّاس ثلاثة : زاهد ، وراغب ، وصابر ؛ فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أدركه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ؛ وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإنْ أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه ؛ لِمَا يعلم من سوء عاقبتها ؛ وأمّا الراغب فلا يُبالي مِن حلٍّ أصابها ، أمْ من حرام». قال : يا أمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال (ع) : «ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقٍّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالفه فيتبرّأ منه وإنْ كان حبيباً قريباً». قال : صدقت والله ، يا أمير المؤمنين.