البراءة منه. والعادة جارية ، أنّ مَن يُتّفق له ذلك لا يُذكر بخير فضلاً عن أنْ تُذكر له مناقب. قال : ومِن آيات الله تعالى فيه ، أنّه لمْ يبتلِ أحدٌ في ولده وذرّيّته بمثل ما ابتُلي به (ع) في ذرّيّته ؛ وذلك أنّه لمْ يُعرف خوفٌ شمل جماعة من ولد نبيٍّ ولا إمام ، ولا ملكٍ ولا برٍّ ولا فاجر ، كالخوف الذي شمل ذرّيّة أمير المؤمنين (ع) ، ولا لحق أحداً من القتل والطرد عن الأوطان والإخافة ما لحق ذرّيّته وولده ، ولم يجرِ على طائفة من النّاس من ضروب النِّكال ما جرى عليهم ؛ فقُتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال ، وبُني على بشرٍ منهم من البنيان وهم أحياء ، وعُذّبوا بالجوع والعطش حتّى ماتوا ، وأحوجهم ذلك إلى مفارقة الأوطان والتغرّب في البلدان ، وكتمان نسبهم والاستخفاء حتّى عن أحبّائهم ، وجانبهم النّاس مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان ؛ وكلُّ ذلك يُوجب قلّة عددهم وانقطاع نسلهم ، وهم مع ذلك أكثر ذرّيّة أحد من الأنبياء والأولياء وسائر النّاس ، وفي ذلك خرق للعادة. أقول : وكفى في ذلك أنّ بني اُميّة قد قتلوا في يوم كربلاء من آل الرسول (ص) مع الحسين (ع) سبعة عشر رجلاً ، وقتلوا جماعة من الأطفال ، وقتلوا مسلم بن عقيل بالكوفة ، ولمْ يبقَ منهم غيرُ العليل زين العابدين (ع) وثلاثة أو أربعة من الصبيان ، وسمّوا الحسن (ع) ، وقتلوا زيد بن علي ، ويحيى بن زيد وغيرهم من بني هاشم. وقتل بنو العبّاس الكثيرين منهم ، وبنَوا على بعضهم الحيطان وهدموا عليهم الحبوس ، وما زادهم الله بذلك إلاّ بركةً ونموّاً.
تَتبْعوكُمْ ورامُوا محْوَ فضلِكمُ |
|
وخيّبَ اللهُ مَنْ في ذلكُمْ طمِعا |
أنّى وفي الصلواتِ الخمسِ ذكْركُمُ |
|
لدى التَّشهُّدِ للتوحيدِ قدْ شَفعا |