المجلس العشرون
عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء إلى دار مولاي جعفر الصادق (ع) ، فرأيته ساجداً في محرابه ، فجلست من ورائه حتّى فرغ فأطال في سجوده وبكائه ، فسمعته يناجي ربّه وهو ساجد وهو يقول : «اللهمّ ، يا من خصّنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحمّلنا الرسالة ، وجعلنا ورثة الأنبياء ، وختم بنا الاُمم السّالفة ، وخصّنا بالوصيّة ، وجعل أفئدة من النّاس تهوي إلينا ، اغفر اللهمَّ لي ولإخواني ولزوّار أبي عبد الله الحسين (ع) الذين أنفقوا أموالهم في حبّه ، وأشخصوا أبدانهم ؛ رغبة في برّنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد (ص) ، وإجابة منهم لأمرنا ، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا وأرادوا بذلك رضوانك. اللهمَّ ، فكافهم عنّا بالرضوان ، واكلأهم بالليل والنّهار ، وأخلفهم في أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا أحسن الخلف ، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد وكلّ ضعيف من خلقك وشديد ، وشرّ شياطين الإنس والجنّ ، وإعطهم أفضل ما أمّلوه منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقرابتهم. اللهمَّ ، إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النّهوض والشخوص إلينا ؛ خلافاً منهم على مَن خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلّبتْ على قبر أبي عبد الله الحسين ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن ، وارحم تلك الصّرخة التي كانت لأجلنا. اللهمَّ ، إنّي استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش الأكبر ، وتدخلهم الجنّة وتسهّل عليهم الحساب ، إنّك أنت الكريم الوهّاب». قال : فما زال الإمام (ع) يدعو لأهل الإيمان ولزوّار قبر الحسين (ع) وهو ساجد في محرابه ، فلمّا رفع رأسه أتيت إليه وسلّمت عليه وتأمّلت وجهه ؛ فاذا هو كاسف اللون متغيّر الحال ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ الرطب ، فقلت : يا سيّدي ، ممَّ بكاؤك؟ لا أبكى الله لك عيناً ، وما الذي حلّ بك؟ فقال لي : «أوَ في غفلة أنت عن هذا اليوم؟! أما علمت أنّ جدّي