وجاهليتنا لا تُدفع ، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا ، وهو قوله تعالى : (واُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ) وقوله تعالى : (إِنّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ وَهذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ الْمُؤْمنينَ) فنحن تارة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (ص) فلجوا عليهم ، فإنْ يكن الفلجُ به فالحقّ لنا دونكم ، وإنْ يكن بغيره فالأنصار على دعواهم. وزعمت أنّي لكل الخلفاء حسدتُ ، وعلى كلّهم بغيتُ ، فإنْ يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك ، فيكون العذر إليك ، وتلك شكاة ظاهر عنك عارُها. وقلتَ : إنّي كنتُ اُقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتّى اُبايع ، ولَعمر الله ، لقد أردتَ أنْ تذمَّ فمدحت ، وأنْ تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة أنْ يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ، ولا مُرتاباً بيقينه ، وهذه حُجّتي إلى غيرك قصدها ، ولكنّي أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها. وذكرت : أنّّه ليس لي ولا لأصحابي إلاّ السّيف ، فلقد أضحكت بعد استعبار! متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسّيف مُخوَّفين؟ ـ لبّث قليلاً يلحق الهيجا حَمَلْ ـ فسيطلبك مَن تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد. وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان ، شديدٌ زحامهم ، ساطعٌ قتامهم ، متسربلين بالموت ، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد صحبَتْهم ذرّيّة بدريّة وسيوف هاشميّة ، قد عرفتَ مواقع نصالها في أخيك وخالك ، وجدّك وأهلك (وما هي من الظالمين ببعيد) أخوه حنظلة بن أبي سفيان وخاله الوليد بن عتبة قتلهما أمير المؤمنين (ع) يوم بدر ، وجدّه عتبة بن ربيعة الذي قتله حمزة يوم بدر ، وشرك في قتله أمير المؤمنين (ع) ، وما برحت أحقاد بدر في قلوب بني اُميّة حتّى أظهرها يزيد يوم جيء إليه برأس الحسين (ع) ، فلمّا وُضع الرأس الشريف بين يديه ، دعا بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين (ع) ، ثُمّ قال : يوم بيوم بدر. وكان عنده أبو برزة الأسلمي ، فقال : ويحك يا يزيد! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النّبي (ص) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ، ويقول : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة ، فقتل الله قاتلكما ، ولعنه وأعدّ له جهنم وساءت مصيراً». فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فاُخرج سحباً. وفي رواية : أنّه قال : أما إنّك يا يزيد ، تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ، ويجيء هذا ومحمّد شفيعه. ثُمّ قام فولّى.
أتنْكتُها شُلَّتْ يمينُك إنَّها |
|
وجوهٌ لوجهِ اللهِ طالَ سُجُودُها |