تعالى في الليل والنّهار ولذلك لمّا زحف عمر بن سعد وأصحابه إلى الحسين (ع) عشية اليوم التاسع من المُحرّم ، أرسل إليهم أخاه العبّاس وقال له : «إنْ استطعتَ أنْ تُؤخِّرَهُمْ إلى غدْوَةٍ وتدفَعَهُمْ عنّا العشيّةَ ؛ لَعلَّنا نُصلِّي لربِّنا اللَّيلةَ ونَدعُوهُ ونَستغفِرُهُ ؛ فهو يعلمُ أنِّي كُنتُ اُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِهِ ، وكثرةَ الدُّعاءِ والاسْتغفارِ». فسألهم العبّاس ذلك ، فتوقّف ابن سعد ، فقال له عمرو بن الحجّاج : سبحان الله! والله ، لو أنّهم من التُرك أو الدّيلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمّد! فأجابوهم الى ذلك. فقام الحسين (ع) وأصحابه الليل كلّه يُصلّون ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون ، وباتوا ليلة العاشر من المُحرّم ولهم دويّ كدويّ النّحل ؛ ما بين قائم وقاعد ، وراكع وساجد.
سمةُ العبيدِ من الخشوعِ عليهمُ |
|
لله إنْ ضمّتْهُمُ الأسحارُ |
فإذا ترجّلتِ الضُّحى شَهدتْ لهُمْ |
|
بيضُ القواضبِ أنّهمْ أحرارُ |
ولمْ يشغلهم ما هم فيه من الشدائد وانتظار القتل عن ذكر ربّهم وعبادته ، والإقبال بقلوبهم عليه. ولمّا كان يوم عاشوراء ، قال أبو ثمامة الصّيداوي للحسين (ع) : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء ، هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله ، لا تُقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصّلاة. فرفع الحسين (ع) رأسه إلى السّماء ، وقال : «ذكرتَ الصّلاة جعلك الله من المصلّين الذّاكرين ، نعم هذا أوّل وقتها». ثمّ قال : «سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي». ففعلوا ، فقال لهم الحُصين بن تميم : إنّها لا تُقبل. فقال له حبيب بن مظاهر : زعمتَ لا تُقبل الصّلاة من آل رسول الله (ص) وأنصارهم ، وتُقبل منك يا خمّار وقال الحسين (ع) لزهير بن القَين وسعيد بن عبد الله الحَنفي : «تقدّما أمامي حتّى اُصلّي الظهر». فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف ، فوصل إلى الحسين (ع) سهم ، فتقدّم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النّبال بنفسه ما زال ولا تخطّى ، فما زال يُرمى بالنّبل حتّى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللهمّ ، العنهم لعن عاد وثمود. اللهمّ ، أبلغ نبيّك عنّي السّلام ، وأبلغه ما لقيتُ من ألم الجراح ؛ فإنّي أردتُ ثوابك في نصر ذرّيّة نبيّك. وفي رواية : أنّه قال : اللهمّ ، لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمّداً (ص) نُصرتي ودفعي عن الحسين (ع) ، وارزقني مرافقته في دار الخلود. ثمّ قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوُجِد فيه ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السّيوف وطعن الرّماح.