فضول الحوض ، (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر أنْ يتولّى السّقي بنفسه ـ أبوهما هو شُعيب (ع) ـ. (فَسَقَى لَهُمَا) غنمهما ، وزحم القوم عن الماء حتّى أخرجهم عنه ، وسقى أغنامهما حتّى رويت من دلوا واحد. (ثمّ تَوَلّى إلى الظّلّ) : إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها من شدّة الحَرِّ وهو جائع ، (فَقَالَ رَبّ إِنّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها ، فأنكر شأنهما وسألهما ، فأخبرتاه الخبر. فقال : عليّ به. (فَجاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا) : وهي الكُبرى (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) : مستحيية مُعرضة على عادة النّساء الخفرات. (قَالَتْ إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا). فلمّا قالت : ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، كره ذلك موسى (ع) ؛ لأنّه لا يُريد أجراً على عمله إلاّ من الله تعالى ، وأراد أنْ لا يتبعها ، ولكنّه لم يجد بُدّاً من اتّباعها. (فَلَمّا جَاءَهُ وَقَصّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) : حكى له قصته من قتل القُبطي وطلبهم إيّاه ليقتلوه وهربه ، قال له شُعيب (ع) : (لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ) : فرعون وقومه ؛ فلا سلطان له بأرضنا. وإذا هو بالعشاء مُهيَّأً ، فقال له شعيب (ع) : اجلس يا شاب فتعشَّى. فقال موسى (ع) : أعوذ بالله. قال شعيب (ع) : ولِمَ ذاك ، ألست بجائع؟ قال : بلى ، ولكن أخاف أنْ يكون هذا عِوضاً لِما سقيتُ لهما ؛ وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بمِلك الأرض ذهباً. فقال له شُعيب (ع) : لا والله يا شاب ، ولكنّها عادتي وعادة آبائي ؛ نُقري الضّيف ونُطعم الطّعام. فأكل. (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا) ـ واسمها صفورة أو صفراء ، وهي التي تزوج بها ، وهي التي قالت له : إنّ أبي يدعوك ـ : (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأَمِينُ قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) : تكون أجيراً لي إلى ثماني سنين. (فَإِنْ اتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ) : أي ذلك تفضّل منك وليس بواجب عليك ، (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقّ عَلَيْكَ) في هذه الثّمانية حجج فاُكلّفك غير الرّعي ، أو بأنْ آخذك بإتمام عشر سنين ، (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ) في حسن الصّحبة والوفاء بالعهد. (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)سُئل الإمام الصّادق (ع) : أي الأجلين قضى موسى (ع)؟ قال : «أوفاهما وأبعدهما عشر سنين». وقد أشبهت حال موسى (ع) في خروجه من مصر خائفاً يترقّب ، هارباً من فرعون مصر ، حال الحسين (ع) في خروجه من المدينة في جوف الليل خائفاً يترقب ، هارباً من فراعنة بني اُميّة ، وهو يقرأ : «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ». ودخل مكّة وهو يقرأ : «وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ». وذلك لمّا دعاه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في الليل وطلب منه البيعة ليزيد ، فلم يرد الحسين (ع)