المجلس الثّلاثون بعد المئتين
الأصحاب الأوفياء قليلون ، وإنّما يُعرف وفاء الأصحاب عند الشّدائد ، والأصدقاء في اليسر والرّخاء كثيرون ، وعند العسر والبلاء قليلون ، والصّداقة الخالصة والمحبّة الصّادقة هي التي تدوم في اليسر والعسر ، والشّدة والرّخاء. وقد تجلّى الإخلاص والوفاء وحسن الصّحبة في أصحاب الحسين (ع) ، فقد كانوا خير أصحاب فارقوا الأهل والأحباب ، وجاهدوا دونه جهاد الأبطال ، وتقدّموا مسرعين إلى ميدان القتال ، وصالوا صولة الاُسود الضّارية ، قائلين له : أنفسنا لك الفداء! نقيك بأيدينا ووجوهنا. يُضاحك بعضهم بعضاً ؛ قلّة مبالاة بالموت ، وسروراً بما يصيرون إليه من النّعيم. ولمّا أذن لهم في الانصراف ، أبوا وأقسموا بالله لا يُخلّونه أبداً ولا ينصرفون عنه ، قائلين : أنحن نُخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدو! وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك؟! وبعضهم يقول : لا والله ، لا يراني الله وأنا أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم اُفارقك أو أموت معك. وبعضهم يقول : والله ، لو علمت أنّي اُقتل فيك ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك. وبعضهم يقول : والله ، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ألف مرّة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عنك وعن أهل بيتك. وبعضهم يقول : أكلتني السّباع حيّاً إنْ فارقتك. ولم يدعوا أنْ يصل إليه أذى وهم في الأحياء ، ومنهم من جعل نفسه كالتّرس له ، فما زال يرمى بالسّهام حتّى سقط. وأبدوا يوم عاشوراء من الشّجاعة والبسالة ما لم يُر مثله ، فأخذت خيلهم تحمل ، وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً ، فلا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلاّ كشفته.
قلَّ الصَّحابةُ غيرَ أنْ |
|
نَ قليلَهُمْ غيرَ القليلِ |
من كلِّ أبيضَ واضحِ الْ |
|
حسبينِ معْدُومِ المثيلِ |
وردُوا على الظمأِ الرَّدَى |
|
وُردَ الزُّلالِ السَّلسبيلِ |
وثَووا على الرمضاءِ منْ |
|
كابٍ ومنعفرٍ جديلِ |