تضحك قط؟ قال : كيف يضحكُ مخلوق من طين ، والطّين تأكله النّار ومنقلبه إلى الجزاء ، ويُصبح ويُمسي في الابتلاء؟! قال : فأنا أضحك. قال : كذلك خلَقَنا الله أطواراً. قال : هل رأيت اللّهو؟ قال : لا أعلمه. فدعا الحجّاج بالعود والنّاي ، فلمّا ضرب بالعود ونفخ في النّاي بكى سعيد ، قال الحجّاج : ما يُبكيك؟ قال : أمّا هذه النّفخة فذكّرتني يوم النّفخ في الصّور ؛ وأمّا هذا العود فنبَتَ بحقٍّ وقُطع لغير حقٍّ. قال : أنا قاتلك. قال : قد فرغ مَنْ تسبب موتي. قال : أنا أحبُّ إلى الله منك؟ قال : لا يقدم أحدٌ على ربّه حتّى يعرف منزلته منه. قال : كيف لا ، وأنا مع إمام الجماعة ، وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟ قال : ما أنا بخارجٍ عن الجماعة ولا راضٍ بالفتنة. قال : كيف ترى ما نجمع لإمير المؤمنين؟ قال : لم أره. فدعا بالذهب والفضة ، والكسوة والجوهر فوُضع بين يديه ، قال : هذا حَسَنٌ إنْ قُمت بشرطه. قال : ما شرطه؟ قال : أنْ تشتري له الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة ، ولا ينفعه إلاّ ما طاب منه. قال : أترى جمعنا طيّباً؟ قال : برأيك جمعتَه وأنت أعلم بطيّبه. قال : أتحبُّ أنّ لك شيئاً منه؟ قال : لا أحبُّ ما لا يُحبّ الله. قال : ويلك! قال : الويل لمَنْ زُحزج عن الجنّة فاُدخل النّار. قال : اذهبوا به فاقتلوه. قال : إنّي أشهدك أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمَّداً عبده ورسوله. فلمّا أدبر ضحك ، قال الحجّاج : ما يضحكك؟ قال : عجبت من جرأتك على الله ، وحلم الله عليك. قال : اضربوا عنقه. قال : حتّى اُصلي ركعتين. فاستقبل القبلة وهو يقول : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) قال : اصرفوه عن القبلة إلى قبلة النّصارى الذين تفرّقوا ؛ فإنّه من حزبهم. فصُرف عن القبلة ، فقال : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ثمّ قال : اللهمّ ، لا تترك له ظلمي واطلبه بدمي ، واجعلني آخر قتيل يقتله من اُمّة محمَّد (ص). فضُربت عنقه. وكم من قتيل وشهيد ، وسجين وشريد على أيدي بني اُميّة وأتباعهم أمثال سعيد بن جُبير ، لم يكن لهم ذنب إلاّ حب أهل بيت نبيِّهم (ص) ، وليس ذلك بعجيب من قوم حاربوا الإسلام بما استطاعوا ، فكانت في أيديهم رايات الكفّار مقابل راية رسول الله (ص) في جميع المواقف ، فلمّا ظهر أمر الله وهم كارهون ، دخلوا في الإسلام كُرهاً وأسرّوا النّفاق ، فلمّا أمكنتهم الفرصة ، وثبوا على أهل بيت رسول الله (ص) وعلى كلِّ مَن أحبّهم ووالاهم ، فأوسعوهم قتلاً وحبساً وتشريداً : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) فوثبوا على ابن عمِّ رسول الله (ص) ووصيه وخليفته في اُمّته ، ونازعوه حقّه ، وبغوه الغوائل ، وجرّعوه الغُصص ، وسفكوا دماء المسلمين حتّى قُتل صلوات الله عليه بسيف ابن ملجم مظلوماً مقهوراً ، ووثبوا على ابنه من بعده وريحانة رسول الله (ص) الحسن بن علي (ع) حتّى اضطرّوه ـ بفسادهم وبغيهم ـ إلى ترك حقِّه ، وقتلوه