الحرب ، انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة ، فقاتلهم أشد القتال ، وهو يقول متمثّلاً :
فذلُّ الحياةِ وعزُّ المماتِ |
|
وكُلاّ ً أراهُ طَعاماً وبِيلا |
فإنْ كانَ لا بُدَّ منْ واحدٍ |
|
فَسيرِي إلى الموتِ سَيْراً جمِيلا |
وحال المساء بين الصفّين ، وانصرف زيد وهو مُثخنٌ بالجراح وقد أصابه سهمٌ في جبهته ، وطلبوا مَن ينزع السّهم ، فاُتي بحجّام فاستكتموه أمره ، فأخرج النّصل فمات من ساعته ، فدفنوه في ساقية ماء ، وجعلوا على قبره التّراب والحشيش ، واُجري الماء على ذلك. وحضر الحجّام ـ وقيل : عبدٌ سنديٌّ ـ مواراته فعرف الموضع ، فلمّا أصبح مضى إلى يوسف فدلّه على موضع قبره ، فاستخرجه يوسف بن عمر وبعث برأسه إلى هشام ، وبعثه هشام إلى المدينة فنُصب عند قبر النّبيِّ (ص) يوماً وليلة. ولمّا قُتل بلغ ذلك من الصّادق (ع) كلَّ مبلغٍ ، وحزن عليه حُزناً عظيماً ، وفرّق من ماله في عيال مَن اُصيب معه من أصحابه ألف دينار. وكتب هشام إلى يوسف بن عمر : أنْ اصلبه عريانَ. فصلبه في الكُناسة ، فنسجت العنكبوت على عورته من يومه ، ومكث أربع سنين مصلوباً حتّى مضى هشام وبُويع الوليد بن يزيد ، فكتب الوليد إلى يوسف بن عمر : أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابي فاعمد إلى عجل أهل العراق ، فأحرقه ثمّ انسفه في اليمِّ نسفاً. فأنزله وأحرقه ثمّ ذرّاه في الهواء.
وكما خُذل زيد بن علي ونُكثت بيعته ، خُذل جدّه أمير المؤمنين (ع) من قبله حتّى ألجأوه إلى قبول الحكومة يوم صفّين ، ثمّ قتلوه وهو يُصلّي في محرابه ، ثمّ خذلوا ولده الحسن (ع) وراسلوا عدوَّه فاضطرّ إلى الصُّلح ؛ خوفاً على دمه ودماء شيعته ، ثمّ كاتبوا ولده الحسين (ع) ، فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل ، فبايعه منهم ثمانية عشر ألفاً أو أكثر ، ثمّ خذلوا مسلماً وأمكنوا منه ابن زياد ، فأخذه أسيراً وقتله. ولمّا جاءهم الحسين (ع) ، خذلوه وتألّب منهم ثلاثون ألفاً لقتاله مع عمر بن سعد حتّى قتلوه ، ومِن شرب الماء منعوه ، وسبوا نساءه ، وداروا برأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه في البلدان.
إذا ما سَقَى اللهُ البلادَ فلا سَقَى |
|
معاهدَ كوفانٍ بنوِّ المرازمِ |
أتتْ كتبهُمْ في طيِّهنَّ كتائبٌ |
|
وما رُقِّمتْ إلاّ بسُمِّ الأراقمِ |