وعليه ثياب مشمّرة ، فلمّا قام ومشينا بين يديه ، رفع رأسه إلى السّماء وكبّر أربع تكبيرات ، فخُيّل إلينا أنّ الهواء والحيطان تجاوبه ، والقوّاد والنّاس على الباب وقد تزيّنوا ولبسوا السّلاح وتهيَّؤوا بأحسن هيئة ، فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصّورة حفاة قد تشمّرنا ، وطلع الرضا (ع) وقف وقفة على الباب ، وقال : «الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر على ما رزَقَنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا». ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا ، فتزعزعت مرو من البكاء والصّياح ، فقالها ثلاث مرّات ، فسقط القوّاد عن دوابّهم ورموا بخفافهم لمّا نظروا إلى أبي الحسن (ع) ، وصارت مرو ضجّةً واحدةً ، ولم يتمالك النّاس من البكاء والضجّة. وكان أبو الحسن (ع) يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات وقفه ، فيكبّر الله أربع مرّات ، فيُخيّل إلينا أنّ السّماء والأرض والحيطان تجاوبه ، فبلغ المأمون ذلك ، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين : إنْ بلغ الرضا المُصلّى على هذا السّبيل افتتن به النّاس ، وخفنا كلُّنا على دمائنا ، فالرأي أنْ تسأله أنْ يرجع. فبعث إليه المأمون : قد كلّفناك شططاً وأتعبناك فارجع ، وليصلِّ بالنّاس مَن كان يُصلّي بهم. فدعا بخُفِّه فلبسه ورجع. ودخل دعبل بن علي الخُزاعي على الرضا (ع) بمرو ، فقال له : يابن رسول الله ، إنّي قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أنْ لا أنشدها أحداً قبلك. فقال (ع) : «هاتها». فأنشده :
مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ |
|
وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ |
فلمّا بلغ إلى قوله :
أَرى فَيئَهُم في غَيرِهِم مُتَقَسَّماً |
|
وَأَيديهُمْ مِن فَيئِهِمْ صَفِراتِ |
بكى أبو الحسن الرضا (ع) ، وقال له : «صدقت يا خُزاعي». فلمّا بلغ إلى قوله :
إِذا وُتِروا مَدّوا إِلى واتِريهِمُ |
|
أَكُفّاً عَنِ الأَوتارِ مُنقَبِضاتِ |
جعل أبو الحسن (ع) يقلب كفيه ويقول : «أجل والله منقبضات». فلمّا بلغ إلى قوله :
لَقَد خِفتُ في الدُّنيا وَأَيّامِ سَعيِها |
|
وَإِنّي لأَرجو الأَمنَ بَعدَ وَفاتي |
قال الرضا (ع) : «آمنك الله يوم الفزع الأكبر». فلمّا انتهى إلى قوله :