فقال الرضا (ع) : «قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد». ثم قال : «يا غُلام ، هل معك من نفقتنا شيء؟». فقال : ثلاثمئة دينار. فقال : «اعطه إيّاها». ثمّ قال : «لعله استقلّها يا غلام ، سقْ إليه البغلة». وفي العيون أيضاً بسنده عن أبي العبّاس محمَّد بن يزيد المُبرّد ، قال : خرج أبو نَوّاس ذات يوم من دار ، فبصر براكب قد حاذاه ، فسأل عنه ولم يرَ وجهه ، فقيل : إنّه علي بن موسى الرضا (ع) ، فأنشأ يقول :
إذا أبصرتكَ العينُ منْ بعدِ غايةٍ |
|
وعارضَ فيكَ الشَّكُ أثبتكَ القلبُ |
ولو أنّ قوماً أمَّموكَ لقادَهُمْ |
|
نسيمُكَ حتّى يستدلُّ بكَ الرَّكبُ |
وقال الرضا (ع) : «إنّي مقتولٌ ومسمومٌ ومدفونٌ بأرض غُربة ، أعلمُ ذلك بعهد عهده إليَّ أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله (ص). ألا فمَنْ زارني في غُربتي كنتُ وآبائي شفعاءَه يوم القيامة ، ومَنْ كُنَّا شُفعاءَه نجا ولو كان عليه وزرُ الثَّقلين». ولله درّ القائل :
حُفَرٌ بطيْبَةَ والغريِّ وكرْبَلا |
|
وبطوسَ والزَّورَا وسامَراءِ |
ما جئْتهُمْ في حاجةٍ إلاّ انْقَضتْ |
|
وَتَبَدَّل الضَّرّاءُ بِالسَّرّاءِ |
بأبي واُمّي تلك الحفر ومَن فيها! لقد تركتهم الأعداءُ شتّى مصارعهم ، متفرقة قبورهم ، متباعدة ضرائحهم :
بعضٌ بطيْبَةَ مدفونٌ وبعضُهُمُ |
|
بكربلاءَ وبعضٌ بالغريَّينِ |
وأرضُ طوسٍ وسامَرا وقدْ ضَمِنتْ |
|
بغدادُ بدْرَينِ حلاّ وسطَ قبرينِ |
يا سادَتي ألِمَنْ أنعي أسىً ولمَنْ |
|
أبكي بجَفْنينِ من عَينَيْ قرِيحَينِ |
أبكي على الحسنِ المسمُومِ مُضْطَهدَاً |
|
أمْ للحُسينِ لُقىً بينَ الخمِيسينِ |
أبكي عليهِ خضيبَ الشَّيبِ منْ دَمهِ |
|
مُوزَّعَ الجسْمِ محزوزَ الورِيدَينِ |
مصائبٌ شتَّتْ شملَ النَّبيِّ فَفِي |
|
قلبِ الهُدى أسْهُمٌ ينطقنَ بالتَّلَفِ |