أمْ جاهلاً؟ عمداً أم خطأً؟ حُرَّاً كان أمْ عبداً؟ صغيراً أمْ كبيراً؟ مُبتدِئاً بالقتل أمْ مُعيداً؟ منْ ذواتِ الطّير كان الصّيدُ أمْ منْ غيرها؟ من صغار الصّيد أمْ من كباره؟ مُصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ مُحرماً بالعُمرة أمْ الحجِّ؟». فتحيّر يحيى وبان في وجهه العجز. فقال المأمون : الحمد لله على هذه النّعمة والتوفيق لي في الرأي. ثمّ قال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تُنكرونه؟! ثمّ قال لأبي جعفر إنْ رأيت ـ جُعلت فداك ـ أنْ تذكر الفقه فيما فصّلته؟ فقال : إنّ المُحرِمَ إذا قتل صيداً في الحلِّ ، وكان الصّيدُ من ذوات الطّير من كبارها ، فعليه شاة ، فإنْ أصابه في الحَرَمِ فعليه الجزاء مضاعفاً ، فإذا قتل فرخاً في الحلِّ فعليه حملٌ قد فُطم من اللّبن ، وإذا قتله في الحَرم فعليه الحملُ وقيمةُ الفرخ ، وإنْ كان من الوحش وكان حمار وحشٍ ، فعليه بقرة ، وإنْ كان نعامة فعليه بُدنة (أي : بعير أو ناقة) ، وإنْ كان ظبياً فعليه شاة ، فإنْ قتل شيئاً من ذلك في الحَرَم ، فعليه الجزاء مُضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المُحرِم ما يجب عليه الهديُ فيه ، وكان إحرامه بالحجِّ ، نحرَه بمنى ، وإنْ كان إحرامُه بالعمرة نحره بمكّة. وجزاءُ الصّيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد عليه الإثم ، ولا إثم في الخطأ ، والكفّارة على الحُرِّ في نفسه ، وعلى السيّد في عبده ، والصّغير لا كفارة عليه ، والنّادم يسقط عنه عقاب الآخرة ، والمُصرُّ عليه العقاب في الآخرة». قال المأمون : أحسنت يا أبا جعفر ، أحسن الله إليك بما رأى. قال المأمون : إنّ أهل هذا البيت خُصّوا بما ترَون من الفضل ، ولا يمنعهم صغر السّن من الكمال ؛ أما علمتم أنّ رسول الله (ص) افتتح دعوته بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين ، وقَبِل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنِّه غيره؟ وبايع الحسنَين وهما ابنا دون ستِّ سنين ولم يُبايع صبياً غيرهما؟ (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم. قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين. ألا قاتل الله مَنْ لم يعرف فضل أهل البيت فدفعهم عن مقامهم وأزالهم عن مراتبهم التي رتَّبهم الله فيها ، وظلمهم وقتلهم ونازعهم حقَّهم ، كما فعل بنو اُميّة بالحسَنين ريحانتَي رسول الله (ص) ، وولديه اللذين بايعهما وهما صغيران ، كما قاله المأمون. قد دسوا السّمَّ إلى الحسن حتّى أخرج كبده قطعة قطعة ، وقتلوا الحسين وسبعة عشر رجلاً من أهل بيته بكربلاء عطشان ظامياً ، غريباً وحيداً ، لا ناصر له ولا معين :
يابنَ الذينَ توارَثُوا الْ |
|
عُليَا قبيلاً عنْ قَبيلِ |
والسَّابقينَ بفضْلِهمْ |
|
في كلِّ جيلٍ كلَّ جيلِ |
إنْ تُمسِ مُنْكسرَ اللّوا |
|
مُلقىً على وجهِ الرَّمولِ |
فلقدْ قُتلتَ مُهذَّباً |
|
منْ كُلِّ عيبٍ في القتيلِ |
يُهدَى لكَ الذِّكرُ الجَميْـ |
|
ـلُ على الزَّمانِ المُستَطيلِ |