الانصراف فلينصرف في غير حرج ، ليس عليه ذمام». فتفرّق النّاس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ، ونفر يسير ممَّن انضمّوا إليه من أهل البصائر والنيّات الصادقة ، وإنّما فعل ذلك ؛ لئلاّ يتبعه مَن ليس له بصيرة نافذة ولا نيّة صادقة ولا يريد مواساته والقتال معه ، فإنّ هؤلاء لا فائدة في صحبتهم. ولقيه الفرزدق الشاعر عائداً من الحجّ فقال : يابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟! فاستعبر الحسين (ع) ثمّ قال : «رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا» ، ثمّ أنشأ يقول :
فإنْ تكُنْ الدُّنيا تُعدُّ نفيسةً |
|
فإنّ ثوابَ اللهِ أعلى وأنبلُ |
وإنْ تكُنْ الأبدانُ للموتِ اُنشئتْ |
|
فقتلُ امرئٍ بالسّيفِ في اللهِ أفضلُ |
وإنْ تكُنْ الأرزاقُ قِسْماً مُقدّراً |
|
فقلّةُ حِرصِ المرءِ في السَّعي أجملُ |
وإنْ تكُنْ الأموالُ للتّركِ جَمعُها |
|
فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ |
يابنَ النّبيِّ كَمْ احتَملْتَ فجائعاً |
|
منْ هولِها شُمُّ الجبالِ تصدَّعُ |