المجلس الأربعون
لمّا التقى الحُرّ مع الحسين (ع) ، قال له الحسين (ع) : «ألَنا أم علينا؟». فقال : بل عليك يا أبا عبد الله. فقال الحسين (ع) : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم». فلم يزل الحُرّ مواقفاً للحسين (ع) حتّى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين (ع) الحجّاج بن مسروق أنْ يؤذّن ، فلمّا حضرت الإقامة ، خرج الحسين (ع) في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لمْ آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمتْ عليّ رسلُكم : أنْ اقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام ، لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ. فإنْ كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فاعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإنْ لمْ تفعلوا ، وكنتم لقدومي كارهين ، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم». فسكتوا ، فقال (ع) للمؤذّن : «أقمْ». فأقام الصّلاة ، فقال (ع) للحُرّ : «أتريد أنْ تصلّي بأصحابك؟». قال : لا ، بل تُصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. فصلّى بهم الحسين (ع). فلمّا كان وقت العصر ، أمر الحسين (ع) أنْ يتهيّؤوا للرحيل ففعلوا ، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين (ع) وقام فصلّى ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، أيّها النّاس ، فإنّكم إنْ تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله ، يكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمّد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسّائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإنْ أبيتم إلاّ الكراهيّة لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمتْ عليّ رُسُلكم ، انصرفت عنكم». فقال له الحُرّ : أنا والله ، ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسين (ع) لبعض أصحابه : «يا عقبة بن سمعان (١) ، اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ». فأخرج
______________________
(١) هو مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبيّة زوجة الحسين (ع) ، ولمّا قُتل الحسين (ع) أخذه عمر بن سعد فقال : مََن أنت؟ فقال : أنا عبد مملوك. فخلّى سبيله. ولم ينجُ من أصحاب الحسين (ع) غيره ، وغير رجل آخر ؛ ولذلك كان كثير من روايات الطفّ منقولاً عنه. ـ المؤلّف ـ