مستقرّ من رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك». وقال الحسين (ع) لأصحابه : «هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادّة؟». فقال الطرمّاح : نعم يابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق. قال «سر بين أيدينا». فسار الطرمّاح أمامهم ، وجعل يرتجز ويقول (١) :
يا ناقَتِي لا تَذعَريْ منْ زجْري |
|
وامضِي بنا قبلَ طُلوعِ الفجْرِ |
بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سَفْرِ |
|
آلِ رسولِ الله آلِ الفخْرِ |
السَّادةِ البيضِ الوجوهِ الزُّهرِ |
|
الطَّاعنينَ بالرّماحِ السُّمْرِ |
الضَّاربينَ بالسُّيوفِ البُترِ |
|
حتّى تحلِّي بكريمِ النَّجْرِ |
الماجدِ الجدِّ الرحيبِ الصَّدرِ |
|
أصابهُ اللهُ بخيرِ أمْرِ |
عمَّرهُ اللهُ بقاءَ الدَّهرِ |
|
يا مالكَ النَّفعِ معاً والضُّرِّ |
أيّدْ حُسيناً سيّدي بالنَّصرِ |
|
على الطُّغاةِ من بقايا الكفْرِ |
ولم يزل الحسين (ع) سائراً حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به ، ثمّ ارتحل منه ليلاً. قال عقبة بن سمعان : فخفق (ع) وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين». ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. فأقبل إليه ابنه علي الأكبر عليهماالسلام فقال : يا أبة ، جُعلت فداك! مِمَّ حمدت واسترجعت؟ قال (ع) : «يا بُني ، إنّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم. فعلمتُ أنّها أنفسنا نُعيت إلينا». فقال له : يا أبة ، لا أراك الله سوأً ، ألسنا على الحقّ؟ قال (ع) : «بلى ، والذي إليه مرجع العباد». قال : إذاً لا نُبالي أنْ نموت محقّين. فقال له الحسين (ع) : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده».
أفدي القرومَ الاُولَى سارتْ ركائبُهُمْ |
|
والموتُ خلفَهُمُ يسري على الأثرِ |
سلْ كرْبلا كَمْ حَوتْ منهُمْ بدورَ دُجىً |
|
كأنّها فَلَكٌ للأنْجُمِ الزُّهرِ |
______________________
(١) في بعض الروايات : إنّه لمّا قارب الحسين (ع) مع أصحابه الأربعة جعل يحدو بهم ويقول :
يا ناقَتي لا تَذعَري منْ زَجْري |
|
وشمِّري قبلَ طُلوعِ الفجْرِ |
بخيرِ رُكبانٍ وخيرِ سَفْرِ |
|
حتّى تحلِّي بكريمِ النَّجْرِ |
الماجدِ الحُرِّ الرّحيبِ الصَّدرِ |
|
أتى به اللهُ لخيرِ أمرِ |
ثَمَّةَ أبقاهُ بقاءَالدَّهرِ
وقوله حتّى تحلِّي بكريم النَّجْرِ يدلّ على أنّه قالها قبل ملاقاة الحسين (ع) ، فيمكن أنْ يكون أعادها ثانياً ، أو أعاد بعضها وزاد عليها ، ووقع اشتباه من الرواة فيها. ويمكن أنْ يكون قد زيد فيها من غيره ، والله أعلم. ـ المؤلّف ـ