المجلس الحادي والأربعون
لمّا التقى الحسين (ع) مع الحُرّ وأصحابه ، ومنعه الحُرّ من الرجوع ، قال الحُرّ : إنّي لمْ اُؤمر بقتالك ، إنّما اُمرت أنْ لا اُفارقك حتّى اُقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد. فتياسر الحسين (ع) وسار والحُرّ يسايره ، فقال له الحُرّ : إنّي اُذكّرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلن. فقال الحسين (ع) : «أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أنْ تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ، وهو يريد نصرة رسول الله (ص) فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب؟ فإنّك مقتول. فقال :
سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتَى |
|
إذا ما نَوى حقّاً وجاهدَ مُسلمَا |
وواسَى الرّجالَ الصّالحينَ بنفسِهِ |
|
وفارقَ مثبوراً وودّعَ مُجرمَا |
اُقدّمُ نفسي لا اُريدُ بقاءَها |
|
لتلقَى خَميساً في الوغَى وعرمْرَمَا |
فإنْ عشتُ لمْ أندمْ وإنْ متُّ لمْ اُلَمْ |
|
كفَى بكَ ذلاّ ً أنْ تعيشَ وتُرغمَا |
ولم يزل الحسين (ع) سائراً حتّى انتهوا إلى العذيب ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين (ع) على رواحلهم ، وهم : عمرو بن خالد الصيداوي ، ومجمع العائذي ، وابنه عبد الله ، وجنادة بن الحارث السّلماني ، ويجنبون فرساً لنافع بن هلال الجملي يقال له : الكامل ، قد اُرسل معهم. وقيل : أنّ نافعاً كان معهم ومعه فرسه ، ومعهم موليان لعمرو ، والحارث ، ودليل يقال له الطرمّاح بن عدي كان قد جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فسار بهم على غير الجادّة ، فأراد الحُرّ أنْ يعارضهم ، فمنعه الحسين (ع) من ذلك ، وقال لهم الحسين (ع) : «هل لكم علم برسولي قيس بن مسهّر؟». قالوا : نعم ، قتله ابن زياد. فترقرقت عينا الحسين (ع) ولم يملك دمعته ، ثمّ قال : (مِنْهُم مّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً). اللهمَّ ، اجعل لنا ولهم الجنّة نُزلاً ، واجمع بيننا وبينهم في