زهير بن القَين فقال : قد سمعنا ـ هداك الله يابن رسول الله ـ مقالتك ، ولو كانت الدّنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، لآثرنا النّهوض معك على الإقامة فيها. ووثب نافع بن الهلال الجملي ، فقال : مَن نكث عهده وخلع بيعته فلنْ يضرّ إلاّ نفسه ، والله مغنٍ عنه. فسر بنا راشداً معافىً ، مشرّقاً إنْ شئتَ وإنْ شئتَ مغرّباً ، فوالله ، ما أشفقنا من قَدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا نوالي مَن والاك ونعادي من عاداك. وقام برير بن خضير ، فقال : والله ، يابن رسول الله ، لقد مَنّ الله بك علينا ؛ أنْ نُقاتل بين يديك وتُقطّع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة. ثم إنّ الحسين (ع) قام وركب ، وكلمّا أراد المسير ، يمنعونه تارة ويسايرونه اُخرى حتّى بلغ كربلاء في اليوم الثاني من المحرّم ، فلمّا وصلها ، قال : «ما اسم هذه الأرض؟». فقيل : كربلاء. فقال : «اللهمَّ ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء». ثمّ أقبل على أصحابه فقال : «النّاس عبيد الدّنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء ، قلّ الديّانون». ثمّ قال : «أهذه كربلاء؟». قالوا : نعم ، يابن رسول الله. فقال : «هذا موضع كرب وبلاء. انزلوا ، هاهنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، ومسفك دمائنا». فنزلوا جميعاً ، ونزل الحُرّ وأصحابه ناحية. ثم إنّ الحسين (ع) جمع ولده وإخوته وأهل بيته ، فنظر إليهم ساعة ثمّ قال : «اللهمَّ ، إنّا عترة نبيّك محمّد (ص) ، وقد اُزعجنا وطُردنا واُخرجنا عن حرم جدّنا ، وتعدت بنو اُميّة علينا. اللهمَّ ، فخُذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين».
هي كربلاءُ فقفْ على عرَصاتِها |
|
ودَعْ الجفونَ تسحُّ في عَبراتِها |
سلْها بأيِّ قِرىً تعاجلتْ الاُولَى |
|
نزلُوا ضُيوفاً عند قفرِ فلاتِها |
ما بالُها لمْ تَروِهمْ من مائِها |
|
حتّى تروَّتْ منْ دِما رَقَباتِها |