المجلس الرابع والأربعون
لمّا بلغ عبيد الله بن زياد نزول الحسين (ع) بكربلاء ، ندب عمر بن سعد بن أبي وقّاص لقتاله ، وكان قد ولاّه الرَّي ، فاستعفاه من قتال الحسين (ع) ، فقال : نعم ، على أنْ تردَّ علينا عهدنا بولاية الرَّي. فشاور عمر نُصحاءه فنهوه عن ذلك ، فلمْ يقبل واختار الدّنيا على الآخرة. وسار ابن سعد لقتال الحسين (ع) ومعه أربعة آلاف ، وما زال ابن زياد يمدّه بالعساكر حتّى تكمّل عنده عشرون ألف فارس لستِّ ليال خلون من المحرّم ، وأتبعه ببقيّة العسكر فكمُل عنده ثلاثون ألفاً ، وأرسل ابن سعد إلى الحسين (ع) رسولاً يسأله ما الذي جاء به ، فقال له الحسين (ع) : «كتب إليّ أهل مصركم هذا أنْ اقدم ، فأمّا إذا كرهتموني ، فإنّي أنصرف عنكم». فانصرف إلى ابن سعد فأخبره ، فقال : أرجو أنْ يعافيني الله من أمره. وكتب إلى ابن زياد بذلك ، فلمّا قرأ الكتاب قال :
الآنَ إذْ عَلَقتْ مخالبُنا بهِ |
|
يرجُو النَّجاةَ ولاتَ حينَ مناصِ |
ثم كتب إلى ابن سعد : أنْ أعرض على الحسين أنْ يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه ، فإذا هو فعل ذلك رأينا رأْينا. فقال ابن سعد : قد خشيتُ أنْ لا يقبل ابن زياد العافية. وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى ابن سعد : أنْ حِل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفّان. فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجّاج الزبيدي في خمسمئة فارس فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء ، فمنعوهم أنْ يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين (ع) بثلاثة أيام. وجاء تميم بن الحُصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ، ويا أصحاب الحسين ، أما ترون ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيّات؟ والله ، لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعاً.