الفاتحة (١) ، وإما على التشبيه برأس ، وكأس ، كما قالوا : حلأت السّويق (٢) ، حملا على حلأته عن الماء ، أي : طردته (٣) وإما حملا للمفرد والمثنى على (٤) جمعها ، وقد تقرر في جمعها الهمز.
فصل
لما حكى تعالى إقامتها على الكفر مع الدلائل المتقدمة ، ذكر أنّ سليمان (٥) أظهر أمرا (٦) آخر داعيا لها إلى الإسلام ، فأمر الشياطين فبنوا صرحا أي : قصرا من زجاج ، كأنه الماء بياضا وأجري تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر من السمك والضفادع وغيرها ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس (٧) ، وقيل : اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها (٨) تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء (٩) ، فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قيل لها : ادخلي الصّرح فلمّا رأته حسبته لجّة ، وهي معظم الماء ، (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوضه (١٠) ، فقيل كان المقصود من بناء الصرح تهويل المجلس وتعظيمه ، وحصل كشف الساق على سبيل التبع (١١) ، وقيل : إن سليمان أراد أن ينظر إلى ساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين له (١٢) إن رجلها كحافر الحمار (١٣) ، وهي شعراء الساقين ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما ، إلا أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها (١٤) أنّه صرح «ممرّد» ، أي : مملّس ، ومنه الأمرد لملاسة وجهه من الشعر وبريّة مرداء لخلوها من النبات ، ورملة مرداء ، لا تنبت شيئا ، والمارد من الشياطين من تعرّى من الخير وتجرد منه (١٥). ومارد حصن معروف ، وفي أمثال الزّبّاء : «تمرّد مارد وعزّ الأبلق» (١٦) قالتها في حصنين امتنع فتحهما عليها. والقوارير : جمع قارورة ، وهي الزجاج الشفاف (١٧) ، و (مِنْ قَوارِيرَ) صفة ثانية ل «صرح».
قوله : «قالت ربّ إنّي ظلمت نفسي» قال مقاتل : لما رأت السرير والصرح ، علمت
__________________
(١) عند قوله تعالى :«وَلَا الضَّالِّينَ» [الفاتحة : ٧]. انظر اللباب ١ / ٣٣.
(٢) همزوا ما ليس بمهموز ، وقياسه : حليت السويق. انظر اللسان (حلا ، علم).
(٣) حلأ الإبل والماشية عن الماء تحليئا وتحليئة : طردها ، أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. اللسان (حلأ).
(٤) في ب : عن.
(٥) في ب : سليمان عليه الصلاة والسلام.
(٦) في ب : أمر.
(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧.
(٨) في الأصل : تحته.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧.
(١٠) في ب : لتخرضه. وهو تحريف.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠١.
(١٢) لها : سقط من ب.
(١٣) في ب : حمار.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(١٥) انظر اللسان (مرد).
(١٦) انظر مجمع الأمثال ١ / ٢٢٢.
(١٧) انظر اللسان (قرر).