القول منه لا من غيره ، وأيضا قوله : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) لا يليق إلا بقول الكافر (١) ، والجبار : هو الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم ، ولا ينظر في العواقب ، وقيل : المتعظم (٢) ، (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ، قال المفسرون : فلما سمع القبطي قول الإسرائيلي علم أنّ موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني ، فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك ، وأمر (٣) فرعون بقتل موسى. قال ابن عباس : أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى فأخذوا الطريق الأعظم (٤). قوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) ، أي : من آخر المدينة اسمه : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وقيل اسمه (٥) شمعون ، وقيل : (شمعان) (٦)(٧) : «يسعى» قال الزمخشري : «يسعى» يجوز ارتفاعه وصفا ل «رجل» وانتصابه حالا عنه ، لأنه قد تخصص بالوصف بقوله : (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) ، فإن جعلت (مِنْ أَقْصَى) متعلقا ب «جاء» ف «يسعى» صفة ليس إلا (٨). وهذا بناء منه على مذهب الجمهور ، وقد تقدّم أنّ سيبويه يجيز ذلك من غير شرط (٩).
وفي آية يس (١٠) قدّم (مِنْ أَقْصَى) على «رجل» ، لأنه لم يكن من أقصاها وإنما جاء منها(١١) وهنا وصفه بأنه من أقصاها ، وهما رجلان مختلفان وقضيتان متباينتان.
(قوله) (١٢) «يأتمرون» أي : يتآمرون بمعنى يتشاورون ، كقول النمر بن تولب :
٣٩٨٤ ـ أرى النّاس قد أحدثوا شبهة |
|
وفي كلّ حادثة مؤتمر (١٣) |
وعن ابن قتيبة : يأمر بعضهم بعضا (١٤). أخذه من قوله تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق : ٦]. (قوله) (١٥) «فاخرج» أي : من المدينة ، (إِنِّي لَكَ مِنَ (١٦) النَّاصِحِينَ) في الأمر بالخروج ، فقوله «لك» ، يجوز أن يتعلق بما يدلّ «النّاصحين» عليه ، أي ؛ ناصح لك من الناصحين ، أو بنفس «النّاصحين» للاتساع في الظرف ، أو على جهة البيان أي : أعني
__________________
(١) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٧.
(٢) المرجع السابق.
(٣) في ب : فأمر.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٨.
(٥) اسمه : سقط من ب.
(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٢٨.
(٧) ما بين القوسين في ب : يسمعون. وهو تحريف.
(٨) الكشاف ٣ / ١٦١ ، وفيه : وإذا جعل صلة ل «جاء» لم يجز في (يسعى) إلا الوصف.
(٩) تقدم قريبا.
(١٠) يشير إلى قوله تعالى :«وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» [يس : ٢٠]. وفي ب : ليس. وهو تحريف.
(١١) في النسختين : منه.
(١٢) ما بين القوسين بياض في الأصل.
(١٣) البيت من بحر المتقارب قاله النمر بن تولب ، شاعر مخضرم ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ١٠٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٨٠ ، القرطبي ١٣ / ٢٦٦ ، البحر المحيط ٧ / ١١١.
(١٤) تفسير غريب القرآن (٣٣٠ ـ ٣٣١).
(١٥) ما بين القوسين بياض في الأصل.
(١٦) في الأصل : لمن. وهو تحريف.