ألقيته في النار» (١) وكل (٢) مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق (٣).
قوله : (بِغَيْرِ الْحَقِّ) حال ، أي : استكبروا متلبسين بغير الحق ، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) قرأ نافع والأخوان (٤) ويعقوب «يرجعون» مبنيا للفاعل ، والباقون للمفعول (٥).
قوله : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) وهذا من الكلام المفحم الذي يدل على عظمة شأنه وكبرياء سلطانه ، شبههم ـ استحقارا لهم واستقلالا لعددهم ـ وإن كانوا الجم الغفير ـ كحصيات (٦) أخذهن آخذ (٧) في كفه وطرحهنّ في البحر ، ونحو ذلك قوله (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) [المرسلات : ٢٧] (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) [الحاقة : ١٤] (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧]. وليس الغرض منها إلا تصوير أنّ كلّ مقدور وإن عظم (٨) فهو حقير بالنسبة إلى قدرته(٩)(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). قوله (١٠) : (وَجَعَلْناهُمْ) أي : صيّرناهم وقال الزمخشري : دعوناهم (١١) ، كأنه فر من نسبة ذلك إلى الله تعالى ، أعني (١٢) : التصيير لأنه لا يوافق مذهبه (١٣) ، ويدعون صفة ل «أئمّة» وقال الجبائي : وجعلناهم : أي بيّنا ذلك من حالهم وسميناهم به ، ومنه قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً)(١٤) [الزخرف : ١٩]. وقال أبو مسلم : معنى الإمامة التقدم ، فلما عجّل الله (١٥) لهم العذاب صاروا متقدّمين لمن وراءهم من (١٦) الكافرين (١٧). ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ، فإن أحدا لا يدعو إلى النار ألبتة ، وإنما جعلهم الله أئمة في هذا الباب ، لأنهم بلغوا في هذا الباب إلى أقصى النهايات ومن كان كذلك استحق أن يكون إماما يقتدى به في ذلك الباب (١٨).
قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) لا يمنعون من العذاب ، كما تنصر الأئمة الدعاة إلى الجنة ، (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) خزيا وعذابا.
قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ)(١٩) فيه أوجه :
__________________
(١) أخرجه أبو داود (لباس) ٤ / ٥٩ ، أحمد ٢ / ٢٤٨ ، ٣٧٦ ، ٤١٤ ، ٤٢٧ ، ٤٤٢.
(٢) في ب : كل.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٦٩ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٣.
(٤) حمزة والكسائي.
(٥) السبعة (٤٩٤) ، الكشف ٢ / ١٧٤ ، الإتحاف (٣٤٣).
(٦) في ب : لحصيات. وهو تحريف.
(٧) في ب : أخذهن من أحد.
(٨) في ب : أن كل مقدورات عظم.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ٦٩ ـ ١٧٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٤.
(١٠) في ب : قوله تعالى.
(١١) الكشاف ٣ / ١٧٠.
(١٢) في ب : عن.
(١٣) لأن (جعل) إذا كانت بمعنى (صيّر) فيكون الله قد خلق ذلك لهم ، والمعتزلة لا يجوزون ذلك.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٤.
(١٥) لفظ الجلالة سقط من ب.
(١٦) في ب : من الكفار.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٤.
(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٤.
(١٩) في ب : «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ».