والدعوة إلى الجنة ، أو تعريف طريق الجنة أو خلق المعرفة على سبيل الإلجاء ، (أو خلق المعرفة في القلوب لا على سبيل الإلجاء) (١) لا جائز أن يكون المراد (بيان الأدلة ، لأنه عليهالسلام هدى الكل بهذا المعنى فهي غير) (٢) الهداية التي نفى الله عمومها وكذا القول في الهداية بمعنى الدعوة إلى الجنة ، وأما الهداية بمعنى تعريف الجنة فهي أيضا غير مرادة ، لأنه تعالى علّق هذه الهداية على المشيئة. فمن وجب عليه أداء عشرة دنانير لا يقول أعطي عشرة دنانير إن شئت ، وأما الهداية بمعنى الإلجاء والقسر فغير جائز. لأن ذلك عندهم قبيح من الله تعالى في حق المكلف ، وفعل القبيح مستلزم (٣) للجهل أو الحاجة وهما محالان ، ومستلزم (٤) المحال محال ، فذلك محال من الله والمحال لا يجوز تعليقه على المشيئة ، ولما بطلت الأقسام لم يبق إلّا أن المراد أنه تعالى يخصّ البعض بخلق الهداية والمعرفة ويمنع البعض منها (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٣] وإذا أورد الكلام (٥) على هذا الوجه سقط ما أورده (٦) القاضي عذرا عن ذلك (٧).
قوله : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي أنه المختص بعلم الغيب فيعلم من (٨) يهتدي ومن لا يهتدي ، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهة أخرى متعلقة بأحوال الدنيا وهي قولهم : إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا (٩) ، قال المبرد : الخطف الانتزاع بسرعة (١٠) نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنّا لنعلم أنّ الذي تقوله حقّ ولكنا إن اتّبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة ، فأجاب الله (١١) عنه من وجوه الأول : قوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) ، أي أعطاكم مسكنا لا خوف لكم فيه ، إما لأن العرب يحترمون الحرم ولم يتعرضوا لسكانه ، فإنه يروى أن العرب خارج الحرم كانوا لا يتعرّضون لسكان الحرم (١٢).
قوله : «نتخطّف» العامة على الجزم جوابا للشرط ، والمنقريّ بالرفع (١٣) ، على حذف الفاء ، كقوله :
٤٠١٣ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها (١٤)
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) في الأصل : ملتزم.
(٤) في الأصل : وملتزم.
(٥) في ب : هذا الكلام.
(٦) في ب : ما أورد.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٣ ـ ٤.
(٨) في ب : بمن.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٤.
(١٠) المرجع السابق.
(١١) في ب : الله تعالى.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٤ ، وأسباب النزول للواحدي ٢٥٢.
(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٦.
(١٤) صدر بيت من بحر البسيط ، قاله حسان بن ثابت ، أو عبد الرحمن بن حسان ، وعجزه :
والنشرّ بالشرّ عند الله مثلان ـ