ظالمون وهاهنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا : إنا مهلكوا أهل هذه القرية ، والملائكة ذكروا ما يحتاجون (١) إليه في (إبانة) حسن الأمر من الله بالإهلاك فقالوا : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ؛ لأن الله أمرنا ، وحال (ما) (٢) أمرنا كانوا ظالمين فحسن أمر الله عند كل أحد وأما نحن فلا تخبر بما لا حاجة لنا إليه فإن الكلام في (٣) الملك بغير إذنه سوء أدب فنحن ما احتجنا إلا إلى هذه القدر وهو أنهم كانوا ظالمين في وقتنا هذا ، وكونهم يبقون كذلك فلا حاجة لنا إليه ، ثم إن إبراهيم لما سمع كلامهم قال لهم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) إشفاقا عليه ليعلم حاله (٤) ، قالت الملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ) قرأ حمزة والكسائيّ ويعقوب (٥) «لننجينه» ـ بالتخفيف (٦) ، وقرأ الآخرون بالتشديد (وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب. وفي استعمال الغابر في المهلك وجهان ؛ لأن الغابر لفظ مشترك (٧) في الماضي ، وفي الباقي يقال : فيما غبر من الزّمان أي فيما مضى وقال عليه (الصلاة و) (٨) السلام لما سئل عن الماء من السباع فقال : «ولنا ماء غير (٩) طهور» أي بقي فعلى الأول إن ذكر الظالمين سبق في قولهم : إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ، ثم جرى (ذكر) (١٠) لوط. وقول الملائكة : إنها من الغابرين أي الماضين ذكرهم لا من الذين نحن منهم ، أو نقول المهلك يفنى بمضي (١١) زمانه ، والناجي هو الباقي ، (ف) (١٢) قالو ا «إنها من الغابرين» أي من الرائحين الماضين ، لا من الباقين المستمرّين وأما على الثاني لما قضى الله على القوم بالهلاك كان الكل في الهلاك إلا من ينجى منه (١٣) ، فقالوا : إنا ننجّي لوطا وأهله ، وأما امرأته فهي من الباقين في الهلاك.
قوله : (وَلَمَّا أَنْ (١٤) جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) أي إنهم من عند إبراهيم جاءوا إلى لوط على صورة البشر فظنهم بشرا فخاف عليهم من قومه لأنهم كانوا في أحسن صورة والقوم كما عرف حالهم (سِيءَ بِهِمْ) أي جاءه ما ساءه وخاف ، ثم عجز عن تدبيرهم (١٥) فحزن (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) كناية عن العجز في تدبيرهم قال الزمخشري : يقال : طال ذرعه وذراعه للقادر ، وضاق للعاجز ، وذلك لأن من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذراع والاستعمال يحتمل وجها آخر معقولا وهو أن الخوف والحزن يوجبان انقباض الروح ،
__________________
(١) انظر الرازي ٢٥ / ٥٩ ، ٦٠.
(٢) ساقط من ب.
(٣) في ب : عن الملك.
(٤) في ب : ليعلموا حاله.
(٥) تقدم.
(٦) انظر : حجة ابن خالويه ٢٨٠ والسبعة ٥٠٠.
(٧) يشترك في ب.
(٨) ساقط من ب.
(٩) أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسنتها (١ / ١٧٣) عن أبي سعيد الخدري.
(١٠) في ب : جرى قوم لوط.
(١١) في ب : يبقى ويمضي.
(١٢) ساقط من ب.
(١٣) في ب» منهم.
(١٤) ساقط من ب.
(١٥) في ب : تذكيرهم.