ويتبعه اشتمال القلب عليه فينقبض هو أيضا والقلب (١) هو المعتبر من الإنسان فكأن الإنسان انقبض وانجمع وما يكون كذلك يقل (٢) ذرعه ومساحته فيضيق ، ويقال في (٣) الحزين ضاق ذرعه والغضب والفرح يوجبان (٤) انبساط الرّوح فيبسط (٥) مكانه وهو القلب ، ويتسع فيقال : طال ذرعه ، ثم إن الملائكة لما رأوا أول الأمر ، وحزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر قالوا : لا تخف من قومك علينا ولا تحزن بإهلاكنا إياهم (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) ، وإنا منزلون عليهم العذاب حتى يتبين له أنهم ملائكة فيطول ذرعه بطول روعه.
قوله : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) في الكاف وما أشبهها مذهبان ، مذهب سيبويه : أنها في محل جر ، ومذهب الأخفش وهشام أنها في محل نصب. وحذف النون والتنوين لشدة اتّصال الضّمير.
وقد تقدمت قراءتا التخفيف والتثقيل في «لننجينه» منجّو ك «في الحجر».
قوله : (إِنَّا مُنْزِلُونَ) ، قرأ ابن عامر بالتشديد ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ ابن محيصن «رجزا» بضم الراء ، والأعمش وأبو حيوة «يفسقون» بالكسر.
(فإن قيل) (٦) : قال هنا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) وقال لإبراهيم : «لننجّينّه» ـ بصيغة الفعل فما الحكمة؟
فالجواب : ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ، ولا تصل إلى أكثرها ، وما أوتي البشر من العلم إلا القليل (٧) ، والذي يظهر (هاهنا) (٨) أن هناك لما قال لهم إبراهيم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم ، وهاهنا لما قالوا للوط وكان ذلك بعد سبق الوعد مرة (قالوا) (٩) إنّا منجّوك أي ذلك واقع منا كقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ)(١٠) لضرورة وقوعه.
فإن قيل : ما مناسبة (١١) قوله : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) لقوله : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) فإن (١٢) خوفه ما كان على نفسه.
فالجواب : أن لوطا لما خاف عليهم وحزن لأجلهم قالوا : لا تخف علينا ولا تحزن لأجلنا فإنّنا ملائكة. ثم قالوا له يا لوط (١٣) خفت علينا وحزنت لأجلنا ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك وفي مقابل حزنك نزيل حزنك (١٤) ، ولا نتركك تفجع في أهلك ، فقالوا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ).
__________________
(١) في ب : والقبض هو المعتبر.
(٢) في ب : يصل وهو تحريف.
(٣) في ب : في آخرين.
(٤) في ب : موجبان.
(٥) في ب : يبسط.
(٦) ساقط من ب.
(٧) في ب : إلا قليلا.
(٨) ساقط من ب.
(٩) سقط من ب.
(١٠) الزمر : ٣٠.
(١١) في ب : ما معنى قوله.
(١٢) في ب : وإن خوفه.
(١٣) في ب : إنا لوط. وهو تحريف.
(١٤) ما في أهو الصواب ـ كما في تفسير الفخر الرازي. وما في ب : ففي مقابلة خوفك علينا وحزنك لأجلنا وقت الحزن يزول خوفك ، وننجيك ، وفي مقابلة حزنك.