بالطبيعة ؛ فإن الله تعالى فاعل مختار إن أراد أن يحركهما (في الفلك وبالفلك ساكن يجوز ، وإن أراد أن يحركهما) بحركة الفلك وهما ساكنان يجوز ولم يرد فيه نص قاطع أو ظاهر. واعلم أنه تعالى ذكر إيجاد الذوات بقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وذكر إيجاد الصفات بقوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ثم قال : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) لما ذكر الخلق ذكر الرزق ؛ لأن بقاء الخلق ببقائه ، وبقاء الإنسان بالرزق ، فقال المعبود إما أن يعبد لاستحقاق (١) العبادة والأصنام ليست كذلك والله مستحقها وإما لكونه عظيم الشأن والله الذي خلق السماوات عظيم الشأن فله العبادة ، وإما لكونه يأمر (٢) الإحسان ، والله يرزق (٣) الخلق فله الفضل والإحسان ، والامتنان فله العبادة (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم مقادير الحاجات والأرزاق ، ولما قال : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ) ذكر اعترافهم بذلك فقال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) يعني سبب الرزق ، وموجد السبب موجد المسبب فالرزق من الله.
قوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أقروا به ، ولزوم الحجة عليهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (ينكرون التوحيد (٤) مع إقرارهم بأنه خالق لهذه الأشياء فقل الحمد لله على ظهور تناقضهم وأكثرهم لا يعقلون) هذا التناقض ، وقيل : هذا كلام معترض في أثناء كلام ، فإنه قال (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا) يعلمون» (٥) فذكر في أثناء هذا الكلام الحمد لذكر النعمة كقوله :
٤٠٣١ ـ إنّ الثّمانين ـ وبلّغتها ـ |
|
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان (٦) |
قوله (تعالى) (٧) : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) «اللهو» هو : الاستمتاع بلذّات الدنيا ، و «اللعب» (العبث) (٨) ، سميت بها ، لأنها فانية ، وقيل : «اللهو» الإعراض عن الحق ، و «اللعب» في الإقبال على الباطل.
فإن (٩) قيل : قال في الأنعام : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) (ولم يقل : (وَما هذِهِ (١٠) الْحَياةُ)) وقال ههنا : (وَما هذِهِ الْحَياةُ) فما فائدته؟
__________________
(١) في «ب» لاستحقاقه.
(٢) في «ب» ولي الإحسان.
(٣) في «ب» وأنه يرزق الخلق.
(٤) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٥) الأصح : يعقلون كما في الآية.
(٦) هذا بيت من السريع لعوف بن محلم ، وجيء به استشهادا على الاعتراض فإن جمل ة «وبلغتها» قد اعترض بين اسم إن «الثمانين» وخبره ا «قد أحوجت سمعي» وانظر : الأمالي للقالي ١ / ٥٠ وأمالي الشجري ٢ / ٢١٥ ، والمغني ٣٨٨ و ٣٩٦ وشرح شواهده للسيوطي ٨٢١ ، وشذور الذهب ٦٤ ، والهمع ١ / ٤٨ والدرر اللوامع ١ / ٢٠٧ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٢٤ ، والفخر الرازي ٢٥ / ٩٠.
(٧) ساقط من «أ».
(٨) ساقط من «ب».
(٩) ساقط من «ب» وانظر : [الأنعام : ٣٢].
(١٠) ساقط من «ب».