فالجواب : أن المذكور (من (١) قبل ههنا أمر الدنيا ، حيث قال : (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) فقال : هذه ، والمذكور قبلها) هناك الآخرة حيث قال : (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ)(٢) فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا).
فإن قيل : ما الحكمة في تقديمه هناك «اللعب» على «اللهو» وههنا أخر «اللعب» عن «اللهو».
فالجواب : لما كان المذكور من قبل هناك الآخرة ، وإظهارهم للحسرة ففي ذلك الوقت ببعد الاستغراق في الدنيا ، بل نفس الاشتغال بها فأخذ (٣) الأبعد ، وههنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق فيها ، اللهم إلا لمانع يمنع من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق (بها) (٤) ، أو لعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلا ، فكان : (ههنا) (٥) الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) وقال ههنا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)؟
فالجواب : لما كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى وازع قويّ فقال : الآخرة خير ولما كان الحال هنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع قوي فقال : لا حياة إلا حياة الآخرة (٦).
قوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) قدر أبو البقاء وغيره قبل المبتدأ مضافا أي وإنّ حياة الدار الآخرة (٧) وإنما قدر ذلك ليتطابق (٨) المبتدأ والخبر والمبالغة أحسن و «واو» الحيوان (عن (٩) ياء) عند سيبويه وأتباعه (١٠) ، وإنما أبدلت واوا شذوذا ، وكذلك في «حياة» علما وقال أبو البقاء لئلا يلتبس بالتثنية (١١) يعني لو قيل : حييان ـ قال : ولم
__________________
(١) ساقط كله من «ب» وهو ما بين القوسين.
(٢) الآية ٣١ من الأنعام.
(٣) في «ب» وأخذ ـ بالواو.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) ساقط من «ب».
(٦) انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٩١.
(٧) انظر : التبيان ١٠٣٥.
(٨) في «ب» لتطابق.
(٩) ساقط من «ب».
(١٠) كأبي البقاء هذا وابن الأنباري وغيرهما ، انظر : البيان ٢ / ٢٤٦ وقد قال سيبويه في الكتاب ٤ / ٣٩٧ «والمضاعف من الياء قليل ، لأن الياء قد تثقل وحدها لاما ، فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها» ثم يقول في ٤ / ٤٠٩ «وأما قولهم «حيوان» فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة ولم يكونوا ليلزموها الحركة ههنا ، والأخرى غير معتلة من موضعها ، فأبدلوا الواو ليختلف الحرفان كما أبدلوها في «رحوي» حيث كرهوا الياءات ، فصارت الأولى على الأصل ، كما صارت اللام الأولى في «ممل» ونحوه على الأصل حيث أبدلت الياء من آخره».
(١١) التبيان ٢ / ١٠٣٥.