قوله : «ليكفروا» فيه وجهان :
أظهرهما (١) : أن اللام لام «كي» أي سيشركون ليكون إشراكهم كفرا بنعمة الإنجاء (وَلِيَتَمَتَّعُوا) بسبب الشرك (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وبال عملهم.
والثاني : أن تكون لام الأمر ، ومعناه التهديد والتوعيد (٢) ، كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] أي ليجحدوا نعمة (٣) الله في إنجائه إياهم فسيعلمون فساد ما يعملون.
قوله : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) ، قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم وورش (٤) بكسرها ، وهي محتملة (٥) للأمرين المتقدمين ، والباقون (٦) بسكونها ، (وهي) ظاهرة في الأمر ، فإن كانت الأولى للأمر فقد عطف أمرا على مثله ، وإن كانت للعلة فيكون عطف كلاما على كلام ، فيكون المعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب (٧) في الآخرة وقرأ عبد الله فتمتّعوا فسوف(٨) تعلمون ، وأبو العالية (٩) «فيمتعوا» بالياء من تحت مبنيا للمفعول (١٠).
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) وجه تعلقه بما قبله أن الإنسان يكون في البحر على أخوف (١١) ما يكون لا سيما إذا كان بيته في بلد حصين فلما ذكر الله حال المشركين عند الخوف الشديد ورأوا أنفسهم في تلك الحالة راجعة إلى الله ذكّرهم حالهم عند الأمن العظيم وهي كونهم في مكة فإنها مدينتهم وبلدهم ، وفيها سكناهم ومولدهم وهي حصين بحصن الله حيث من (١٢) دخلها يمتنع من حصل فيها ، والحصول فيها يدفع الشرور عن النفوس يعني : إنكم في أخوف ما أنتم دعوتم الله وفي أتم ما حصلتم (١٣) عليه كفرتم بالله ، وهذا متناقض ، لأن دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص ما كان إلا لقطعكم بأن النعمة من الله لا غير وهذه النعمة العظيمة التي
__________________
(١) في «ب» أحدهما.
(٢) في «ب» الوعيد.
(٣) في «ب» بنعمة.
(٤) هو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو أبو سعيد مولاهم القرشي القبطي المصري الملقب «بورش» شيخ القراء المحققين ، وإمام أهل الأداء المرتلين رحل إلى نافع فعرض عليه القراءات ، مات سنة ١٩٧ ه. انظر : طبقات القراء ١ / ٥٠٣.
(٥) الإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٢ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣١٩ ، والكشاف ٣ / ٢١٣ ، ٢١٢ ، ومعاني الزجاج.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) في «ب» تثبيت.
(٨) البحر ٧ / ١٥٩.
(٩) أبو العالية هو رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي البصري المقرىء الفقيه ، مولى امرأة من بني رياح قرأ على أبيّ وغيره سمع من عمر ، وابن مسعود ، وعليّ ، وسمع منه قتادة ، والربيع بن أنس ، مات سنة ٩٣ ه انظر : طبقات المفسرين للداودي ١ / ١٧٨ : ١٧٩.
(١٠) وهي قراءة شاذة ، انظر : مختصر ابن خالويه ١١٥.
(١١) في «ب» خوف بالإفراد.
(١٢) في «ب» حيث كل من دخل.
(١٣) في «ب» وفي أمن ما جعلتم عليه.