حصلت (١) ، وقد اعترفتم بأنها لا تكون إلا من الله فكيف تكفرون بها ، والأصنام التي قد (قطعتم) (٢) في حال الخوف أن لا أمن منها لها كيف أمنتم بها في حال الأمن؟ ثم قال : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) (قرأ العامة) (٣) يؤمنون ويكفرون بياء الغيبة ، والحسن ، والسلمي بتاء الخطاب فيهما (٤) ، والمعنى : أفبالأصنام والشياطين يؤمنون وبنعمة الله محمد والإسلام يكفرون؟
قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم أن له شريكا ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا وضعه في موضع لا يمكن ذلك موضعه يكون أظلم ، لأن عدم الإمكان أقوى من عدم الحصول.
قوله : (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) أي بمحمد ، والقرآن لما جاءه (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ) وهذا استفهام تقرير ، كقوله :
٤٠٣٢ ـ ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح (٥) |
والمعنى : أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم؟
قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) (يجوز) (٦) فيه ما جاز في (الَّذِينَ آمَنُوا) أول السورة (٧) وفيه رد على ثعلب (٨) حيث زعم أنّ جملة القسم لا تقع خبرا للمبتدأ (٩) ، والمعنى : والذين (١٠) جاهدوا المشركين لنصرة ديننا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) لنثبتنّهم على ما قاتلوا عليه وقيل : لنزيدنهم هدى (١١) ، كما قال : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦] وقيل : لنهدينّهم (١٢) لإصابة الطرق المستقيمة ، والطرق المستقيمة هي التي توصل إلى
__________________
(١) في «ب» جعلت.
(٢) تصحيح يقتضيه السياق فالسياق كان «قلتم».
(٣) ساقط من «أ» وانظر : الإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٢ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣١٩ ، والكشاف ٣ / ٢١٢.
(٤) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٥ ، وهذه قراءة شاذة غير متواترة.
(٥) هو من الوافر وهو لجرير بن عطية الخطفى في مدح عبد الملك بن مروان. وقد تقدم.
(٦) ساقط من (ب).
(٧) حيث يجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والخبر جملة القسم ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر منصوبا على الاشتغال.
(٨) ثعلب : أحمد بن يحيى بن يزيد بن سيار ، سمع إبراهيم بن المنذر ومحمد بن سلام الجمحي وروى عنه محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان وأبو بكر الأنباري وغيرهم له المصون ، والفصيح وغير ذلك. انظر : إنباه الرواة ١ / ١٣٨ : ١٥١.
(٩) ووجه الامتناع عنده أحد وجهين الأول : إما كون جملة القسم لا ضمير فيها فلا تكون خبرا ، وإما كون الجملة الثانية وهي جملة القسم إنشائية والواقعة خبرا لا بد من احتمالها للصدق والكذب ، وكلا الأمرين ملغى ، انظر الهمع ١ / ٩٦ ، والبحر ٧ / ١٥٩.
(١٠) القرطبي ١٣ / ٣٦٤.
(١١) مريم : ٧٦.
(١٢) القرطبي ١٣ / ٣٦٤.