استماع الميت والأصم وأثبت إسماع المؤمن بآياته لزم أن يكون المؤمن حيّا سميعا وهو كذلك لأن المؤمن ينظر في البراهين ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ويفعل ما يجب عليه فهم مسلمون مطيعون كما قال تعالى (عنهم) (١) : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [البقرة : ٢٨٥].
قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) لما أعاد دليل الآفاق بقوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) أعاد دليلا من دلائل الأنفس أيضا وهو خلق الآدمي وذكر أحواله فقال : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي (بأذى (٢) ضعف) كقوله : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [المرسلات : ٢٠] ، وقرىء : «ضعف» بضم الضاد ، وفتحها (٣) ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، (مِنْ ضَعْفٍ) أي من نطفة. وتقدم الكلام في القراءتين والفرق بينهما في الأنفال (٤) ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) (أي (٥)) من بعد ضعف الطفولية شبابا وهو وقت القوة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) هرما (وَشَيْبَةً) والشيبة هي تمام الضعف (يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
(فإن قيل (٦) : ما الحكمة في قوله ههنا : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) فقدم العلم على القدرة ، وقوله من قبل : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) والعزة إشارة إلى كمال القدرة ، والحكمة إشارة إلى كمال العلم ، فقدم القدرة هناك على العلم؟!.
فالجواب أن المذكور هناك الإعادة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لأن الإعادة بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوار وأحوال والعلم بكل حال حاصل فالعلم ههنا أظهر ثم إن قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) فيه تبشير وإنذار ؛ لأنه إذا كان عالما بأحوال الخلق يكون عالما بأحوال المخلوق فإن عملوا خيرا علمه (٧) ثم إذا كان قادرا فإذا علم الخير أثاب ، وإذا علم الشر عاقب ، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللّذين هما بالقدرة (والعلم (٨)) قدم العلم ، وأما الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
__________________
(١) سقط من «ب».
(٢) سقط من «ب».
(٣) وهي قراءة الجحدري انظر : القرطبي ١٤ / ٤٦ والبحر المحيط ٧ / ١٨٠ بنسبة هذه القراءة إلى الجمهور «ضعف» بضم الضاد وبالفتح إلى عاصم وحمزة.
(٤) وهي الآية ٦٦ «أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً» فعاصم وحمزة وخلف بفتح الضاد وافقهم الأعمش بخلفه ، والباقون بضمها وكلاهما مصدر ، وقيل : الفتح في العقل والرأي ، والضم في البدن ، وقرأ أبو جعفر بفتح العين والمد والهمزة مفتوحة بلا تنوين جمعا على فعلاء كظريف وظرفاء ، ولا يصح ـ كما روى عن الهاشمي ـ من ضم الهمزة وقد وافق الهاشمي المطوعي والباقون بإسكان العين والتنوين بلا مطّ ولا همز.
انظر : اللباب بتصرف ٤ / ١٥٧.
(٥) ساقط من «ب».
(٦) ساقط من «ب» بأكمله.
(٧) في تفسير الفخ ر «وإن عملوا شرا علمه» انظر : تفسير الفخر ٢٥ / ١٣٦.
(٨) زيادة على ما في تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٦.