صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)(١) لأن الذكر في الروم كان للترهيب ولذلك قال : (يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) فقدم التخويف ، وههنا الذكر للترغيب ؛ لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف والوعد (٢).
قوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ) هذا عطف على ما تقدم والتقدير آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه ، وحين جعلناه واعظا لغيره.
قوله : (يا بُنَيَّ) قرأ ابن (٣) كثير بإسكان الياء وفتحها حفص والباقون (٤) بالكسر (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) بدأ في الوعظ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، أما أنه ظلم فلأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس ، فوضع العبادة في غير موضعها.
قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريب منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله (في بعض (٥) الصور) كخدمة الأبوين ثم بين السبب فقال : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) يعني لله على العبد نعمة الابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق أي صارت بقدرة الله سبب وجوده فإنها حملته وبرضاعه حصل التربية والبقاء.
قوله : (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) يجوز أن ينتصب (٦) على الحال من (أمّه (٧)) أي ضعفا على ضعف. وقال ابن عباس : شدة على شدة (٨) ، وقال مجاهد : مشقة بعد مشقة (٩) وقال الزجاج : المرأة إذا حملت (١٠) توالى عليها الضعف والمشقة ، وقيل : الحمل ضعف والوضع ضعف ، وقيل : منصوب على إسقاط (١١) الخافض أي في وهن. قال أبو البقاء (١٢) : «و (عَلى وَهْنٍ) صفة له «لوهنا». وقرأ الثّقفيّ (١٣) وأبو عمرو ـ في رواية ـ وهنا
__________________
(١) الآية ٤٤ من السورة السابقة.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر : السبعة ٥١٢.
(٤) وهم أبو بكر عن عاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.
انظر : المرجع السابق والنشر ٢ / ٣٤٦ ، وحجة ابن خالويه ٢٨٤ ، والقرطبي ١٤ / ٦٣ ، والبحر المحيط ٧ / ١٧٦.
(٥) ساقط من «ب».
(٦) في «ب» ينصب.
(٧) ذكره القرطبي عن الإمام القشيري رضي الله عنه. انظر : القرطبي ١٤ / ٦٤.
(٨) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤٥.
(٩) السابق.
(١٠) انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٩٦.
(١١) ذكره أبو جعفر النحاس في كتابه «إعراب القرآن» انظره : ٣ / ٢٨٥ قال : «فما علمت أن أحدا من النحويين ذكره فيكون مفعولا ثانيا على حذف الجر أي حملته بضعف على ضعف».
(١٢) نقله في التبيان أيضا ١٠٤٤.
(١٣) المراد به عيسى بن عمر الثقفي وقد مر الترجمة له.