يعني التوارث بينكم فيصير مال أحدكم لغيره بالإرث والنبي لا توارث بينه وبين أقاربه فينبغي أن يكون له بدل هذا وهو أنه أولى في حياته بما في أيديكم.
الثاني : أن الله تعالى ذكر دليلا على أن النبي عليهالسلام أولى (١) فيصير أولى من قريبه فكأنه بالواقع قطع الإرث وقال هذا مالي لا ينتقل عني إلا لمن أريده فكذلك جعل الله تعالى لنبيه من الدنيا ما أراده ثم ما يفضل منه يكون لغيره ثم قال (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) مكتوبا. قال القرطبي (٢) : أراد بالكتاب القرآن وهو آية المواريث (٣) والوصية وقيل : اللوح المحفوظ.
قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) الآية وجه تعلق (٤) هذه الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما أمر النبي عليهالسلام بالاتقاء وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) وأكده بالحكاية التي خشي (فيها) (٥) منهم ، خفّف عنه لكي لا يخشى أحدا غيره وبين أنه لم يرتكب (٦) أمرا يوجب الخشية بقوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وأكده بوجه آخر فقال : (وَإِذْ أَخَذْنا) كأنه قال : اتق الله ولا تخف أحدا واذكر أن الله (أخذ ميثاق) (٧) النبيين في أنهم مبلغون رسالات الله ولا يمنعهم من ذلك خوف ولا طمع والمراد من الميثاق العهد الذي بينه في إرسالهم وأمرهم بالتبليغ وأن يصدق بعضهم بعضا قال مقاتل : أخذنا ميثاقهم (٨) على أن يدعوا الناس إلى عبادته ، ويصدق بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم.
قوله : (وَإِذْ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون منصوبا «باذكر» أي اذكر إذ أخذنا (٩).
والثاني : أن يكون معطوفا على محلّ : (فِي الْكِتابِ) فيعمل فيه «مسطورا» أي كان مسطورا في الكتاب (و (١٠)) وقت أخذنا.
قوله (١١) : (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) خص هؤلاء
__________________
(١) في «ب» (أولى بالمؤمنين وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ثم إذ أراد أحد برّا مع صديق فيوصي له بشيء فيصير أولى من قريبه الخ.
(٢) الأصح أنه القرطبي وقد تقدمت ترجمته وانظر : القرطبي ١٤ / ١٢٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٩٦.
(٤) كذا قرره الإمام الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ١٩٦.
(٥) في «ب» فيه وهو خطأ لأن الضمير يعود على الحكاية.
(٦) هكذا هي أيضا في تفسير الفخر ، وما في «ب» لم يترك.
(٧) في «ب» واذكر إذ أخذنا.
(٨) كذا قرره الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير ٦ / ٣٥٤.
(٩) هذا قول أبي البقاء في التبيان ١٠٥٢.
(١٠) ساقط من «ب».
(١١) وهذا رأي الحوفي وابن عطية انظر : البحر المحيط ٧ / ٢١٢.