قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنها «من» الجارة للمفضول كهي في «زيد أفضل من عمرو» والمعنى وأولو الأرحام أولى بالإرث من المؤمنين والمهاجرين الأجانب.
والثاني : أنها للبيان جيء بها بيانا لأولي الأرحام فيتعلق بمحذوف أي (أعني) والمعنى وأولو الأرحام من المؤمنين أولى بالإرث من الأجانب (١).
قوله : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا) هذا استثناء من غير الجنس وهو مستثنى من معنى الكلام وفحواه إذ التقدير وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في الإرث وغيره لكن (٢) إذا فعلتم مع غيرهم من (٣) أوليائكم خيرا كان لكم ذلك وعدى تفعلوا (بإلى) لتضمنه معنى تدخلوا ، وأراد بالمعروف الوصية للذين يتولونه من المعاقدين (٤) يعني إن أوصيتم فغير الوارثين أولى وإذا لم توصوا فالوارثون أولى بميراثكم وذلك أن الله لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة وأباح أن يوصي (لمن يتولاه (٥)) بما أحب ثلث ماله. قال مجاهد : أراد بالمعروف المعرفة (٦) وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة يعني وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى ببعض أي لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) أي إلا أن تعرضوا (٧) لذوي قراباتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة وهذا قول عطاء وقتادة وعكرمة (٨).
فإن قيل : أي تعلق للميراث والوصية بما تقدم.
فالجواب : قال ابن الخطيب وجوابه من وجهين :
أحدهما : أن غير النبي في حال حياته لا يصير إليه (٩) مال الغير وبعد وفاته لا يصير ماله لغير ورثته والنبي ـ عليهالسلام ـ في حال حياته كان يصير له مال الغير إذا أراده ولا يصير ماله لورثته بعد وفاته فكأن الله تعالى عوض النبي عن قطع ميراثه بقدرته بأن له تملك مال الغير وعوض المؤمنين بأن ما تركه النبي يرجع إليهم حتى لا يكون حرج على المؤمنين في أن النبي (عليه (١٠) السلام) إذا أراد شيئا يصير له ثم يموت ويبقى لورثته فيفوت (١١) عليهم ، ولا يرجع إليهم فقال الله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)
__________________
(١) التبيان ١٥٢ والدر المصون ٤ / ٦٦ والبحر المحيط ٧ / ٢١٣.
(٢) المرجعين السابقين.
(٣) في «ب» أي غير أوليائكم.
(٤) في «ب» المعاهدين.
(٥) سقط من «ب».
(٦) نقله في تفسير القرطبي ١٤ / ١٢٦.
(٧) في «ب» إلا أن توصوا.
(٨) انظر : المرجع السابق.
(٩) في «ب» لا يصير له وهو الموافق لما في تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٩٦.
(١٠) ساقط من «ب».
(١١) هكذا هي هنا وفي تفسير الفخر وما في «ب» فيعود.