نفسه منه فكان يخدمه واتخذ شيئا مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون إليه واتخذوه عيدا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن ، وإن رجلا من أهل الخيل هجم عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فذلك قوله : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى)(١) ، وقيل : الجاهلية الأولى ما ذكرنا والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان (٢) ، وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] ولم يكن لها أخرى (٣).
قوله : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني ليس التكليف في النهي وحده حتى يحصل بقوله : «ولا تخضعن. ولا تبرجن» بل في النهي وفي الأوامر فأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله فيما أمر به ، ونهى عنه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) قال مقاتل : الرجس : الإثم الذي نهى الله النساء عنه (٤) ، وقال ابن عباس يعني عمل الشياطين وما ليس (٥) لله فيه رضا. وقال قتادة يعني السوء (٦) ، وقال مجاهد : الرّجس (٧) : الشّكّ.
قوله : (أَهْلَ الْبَيْتِ) فيه أوجه : النداء والاختصاص (٨) ، إلا أنه في المخاطب أقل منه في المتكلم وسم ع «بك الله نرجو الفضل» (٩) ، والأكثر إنما هو في التكلم كقولها :
٤٠٨٨ ـ نحن بنات طارق |
|
نمشي على النّمارق (١٠) |
__________________
(١) ورد هذا الأثر في تفسير الحافظ الإمام ابن كثير ٣ / ٤٨٣.
(٢) قال ابن عطية والذي يظهر عندي أنه أشار للجاهلية التي لحقتها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم. انظر : تفسير الشّوكانيّ ٤ / ٢٧٨ والقرطبي ١٤ / ١٨٠.
(٣) هذا رأي فخر الدين الرازي حيث قال : «إن هذه ليست أولى تقتضي أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة كقول القائل : أين الأكاسرة الجبابرة الأولى» انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر ٢٥ / ٢٠٩.
(٤) وهو رأي السدي أيضا انظر : زاد المسير ٦ / ٣٨٠.
(٥) وهو رأي ابن زيد المرجع السابق.
(٦) حكى هذين الرأيين الماوردي المرجع السابق.
(٧) المرجع السابق.
(٨) ذكرهما أبو البقاء في التبيان ١٠٥٧.
(٩) قاله سيبويه في الكتاب ٢ / ٢٣٤ : وزعم الخليل ـ رحمهالله ـ أن قولهم : «بك الله نرجو الفضل ، وسبحانك الله العظيم» نصبه كنصب ما قبله يشير إلى قولهم : «نحن العرب أقرى الناس للضيف» وفيه معنى التعظيم. وانظر أيضا همع الهوامع للسيوطي ١ / ١٧١ وشرح ابن يعيش على المفصل ٢ / ١٧.
(١٠) رجز لهند بنت عتبة في تحريض الجند المشرك ضد الإسلام في غزوة أحد والشاهد «بنات طارق» فإنها منصوبة على الاختصاص بفعل مضمر وجوبا تقديره «أعني» أو أريد ، أو أخص وهذا على الغالب في ـ