تدخلوها غير ناظرين ولا مستأنسين (١) والمعنى ولا طالبين الأنس للحديث ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك.
قوله : «لحديث» يحتمل أن تكون لام العلة أي مستأنسين لأجل أن يحدث بعضكم بعضا وأن تكون المقوية للعامل لأنه قرع أي ولا مستأنسين حديث أهل البيت أو غيرهم (٢).
قوله : (إِنَّ ذلِكُمْ) أي إن انتظاركم واستئناسكم فأشير إليهما إشارة الواحد كقوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] أي إن المذكور.
قوله : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) قرىء «لا يستحي» بياء واحدة ، والأخرى محذوفة ، واختلف فيها هل هي الأولى أو الثانية وتقدم ذلك في البقرة ، وأنها رواية عن ابن كثير وهي لغة تميم يقولون استحى يستحي مثل : استقى يستقي (٣).
قوله : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أن لا يترك تأديبكم وهذا إشارة إلى أنّ ذلك حق وأدب ، ثم ذكر أدبا آخر فقال : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي من وراء ستر ، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ منتقبة كانت أو غير منتقبة (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريب لأن العين روزنة (٤) القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب ، فأما وإن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي ، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر (٥).
قوله : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) نزلت في (٦) رجل من أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : لئن قبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنكحن عائشة. قال مقاتل بن سليمان : هو طلحة ابن عبيد الله (٧) فأخبر الله عزوجل ـ أن ذلك محرّم وقال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً). وروى معمر عن الزهري أن العالية بنت ظبيان التي طلق النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تزوجت رجلا وولدت له وذلك قبل تحريم أزواج النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الناس (٨).
__________________
(١) هذا قول أبي البقاء في التبيان ١٠٦١ والسمين في الدر ٤ / ٤٠١.
(٢) انظر : البحر ٧ / ٢٤٧ والدر ٤ / ٤٠١. والمقوية التي تقوي اسم الفاعل في طلبه المفعول حيث إنّ اسم الفاعل فرع عن الفعل في العمل.
(٣) يشير بآية البقرة إلى قوله : «إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً» وهي الآية «٢٦» منها.
(٤) قال في اللسان : «والرّوزنة : الكوة ، وفي المحكم : الخرق في أعلى السقف ، التهذيب : يقال للكوة النافذة الروزن قال : وأحسبه معرّبا» اللسان «رزن» ١٦٣٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٥.
(٦) ذكره السيوطي بالتفصيل في أسباب النزول ١٤٣ والقرطبي ١٤ / ٢٢٨ وزاد المسير ٦ / ٤١٦.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٣.