والأنهار ، ثمّ في السّنة السّابعة برقابهم حتّى استرقّهم جميعاً. وكان الملك قد فوّض إليه أمر المُلك ، فقال للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خوّلني ، فما ترى؟ قال : الرأي رأيك. قال : إنّي اُشهد الله واُشهدك أنّي اعتقتهم عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم. وكان لا يبيع لأحدهم أكثر من حمل بعير ؛ عدلاً بين النّاس ، وكان لا يمتلي شبعاً من الطّعام في تلك الأيام المجدبة ، فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال : أخاف أنْ أشبع فأنسى الجياع ، وهذا نظير قول أمير المؤمنين علي (ع) : «ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشّبع ، أوَ أبيت مُبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى؟! أوَ أكون كما قال القائل :
وحسبُك داءً أنْ تبيت ببطنةٍ |
|
وحولك أكبادٌ تحنّ إلى القدِّ |
أأقنع من نفسي بأنْ يُقال أمير المؤمنين ولا اُشاركهم في مكاره الدّهر ، أو أكون اُسوة لهم في جشوبة العيش؟». واقتدى به في ذلك ولده الحسين (ع) ، فقد وجُد على ظهره يوم الطفّ أثر ، فسُئل علي بن الحسين (ع) عن ذلك ، فقال : «هذا ممّا كان يحمل الجراب على ظهره إلى بيوت الأرامل واليتامى». ووجد على ظهر الحسين (ع) يوم الطفّ أثر آخر ، هو أوجع القلوب من هذا الأثر ، وهو أثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشّريف وظهره ؛ وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس أنْ يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره ؛ تنفيذاً لما أمر به ابن زياد ، وهم يقولون :
نحن رضضنا الصّدر بعد الظّهرِ |
|
بكلّ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ |
فقال ابن زياد : مَن أنتم؟ قالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتّى طحنّا جناجن صدره.
تطأ الصّواهلُ صدرَه وجبينَهُ |
|
والأرضُ ترجفُ خيفةً وتضعضعُ |