المجلس الثّاني بعد المئة
لمّا تمكّن يوسف بمصر وأصاب النّاس ما أصابهم من القحط ، نزل بآل يعقوب ما نزل بالنّاس ، فقال يعقوب لبنيه : بلغني أنّه يُباع الطّعام بمصر ، وأنّ صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنّه سيحسن إليكم إنْ شاء الله. فجهّزهم وأمسك عنده بنيامين أخا يوسف لاُمّه ، فساروا حتّى وردوا مصر ، فدخلوا على يوسف فعرفهم ولم يعرفوه ؛ لتغيّر لبسه وبُعد عهدهم منه ؛ لأنّه كان بين قذفهم له في الجُبّ ودخولهم عليه أربعون سنة ، فكلّمهم بالعبرانية ، فقال لهم : مَن أنتم؟ فقالوا : نحن من أرض الشّام ، أصابنا الجهد فجئنا نمتار. فقال : لعلّكم جواسيس؟ فقالوا : لا والله ، وإنّما نحن إخوة بنو أب واحد ، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرّحمن ، ولو تعلم بأبينا لكرمنا عليك ، فإنّه نبي الله وابن أنبيائه وأنّه لمحزون. قال وما الذي أحزنه؟ قالوا : كان له ابن ، كان أصغرنا سنّاً ، خرج معنا إلى الصّيد فأكله الذّئب. فقال يوسف : كُلّكم من أبٍ واُمٍّ؟ قالوا : أبونا واحد واُمهاتنا شتّى. قال : فما حمل أباكم على أنْ حبس منكم واحداً؟ قالوا : لأنّه أخو الذي هلك من اُمّه ؛ فأبونا يتسلّى به. قال : فمَن يعلم أنّ قولُكم حقّ؟ قالوا : إنّا ببلاد لا يعرفنا أحد. قال : فائتوني بأخيكم الذي من أبيكم وأنا أرضى بذلك. قالوا : إنّ أبانا يحزن على فراقه وسنُراوده عنه. قال : فدعوا عندي رهينة. فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون فتركوه عنده ، وقال لفتيانه : إجعلوا بضاعتهم التي جاؤوا بها ثمن الطّعام في أوعيتهم ؛ وإنّما فعل ذلك إكراماً لهم ليرجعوا إليه. فلمّا دخلوا على يعقوب ، قال : مالي لا أسمع فيكم صوت شمعون؟ فقالوا : يا أبانا جئناك من عند أعظم النّاس ملكاً ، ولم يرَ النّاس مثله حَكماً وعلماً وخشوعاً وسكينة ووقاراً ، ولئن كان لك شبيه فإنّه يشبهك ، ولقد أكرمنا كرامة لو أنّه بعض أولاد يعقوب ما زاد على كرامته ، ولكنّا أهلُ بيتٍ خُلقنا للبلاء ، إنّه اتهمنا وزعم أنّه لا يُصدّقنا حتّى ترسل معنا بنيامين ، وأنّه ارتهن شمعون ، وقال : ائتوني بأخيكم (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلاَ تَقْرَبُونِ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ ءَأَمَنُكُمْ عَلَيْهِ الاّ