المجلس الخامس بعد المئة
لمّا بعث اللهُ تعالى نبيّه (ص) بالرّسالة ، وذلك يوم الاثنين في السّابع والعشرين من شهر رجب وكان عمره أربعين سنة ، أنزل الله تعالى عليه : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) فجمع رسول الله (ص) بني هاشم وهم نحو أربعين رجلاً ، ثمّ قال لهم : «إنّي بُعثتُ إلى الأسود والأبيض والأحمر ، وأنّ الله عزّ وجل أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين ، وأنّي لا أملك لكم من الله حظّاً إلاّ أنْ تقولوا لا إله إلاّ الله». فقال له أبو لهب : لهذا دعوتنا؟ ثمّ تفرّقوا عنه ، فأنزل الله عليه : (تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ) إلى آخر السّورة. ثمّ دعاهم دفعة ثانية ، ثمّ قال لهم : «أيكُم يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وقاضي ديني؟». فقال أمير المؤمنين (ع) ، وهو أصغر القوم سنّاً : «أنا يا رسول الله». وفي رواية أنّه قال : «فمَن يُجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به ، يكُن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي». فلم يجبه أحد منهم ، فقام أمير المؤمنين (ع) وهو أصغرهم ، وقال : «أنا يا رسول الله اُوازرك على هذا الأمر». فقال : «اجلس» حتّى قال ذلك ثلاثاً ، وفي كُلّ مرّة يقوم أمير المؤمنين (ع) وهم سكوت ، فقال : «اجلس ، فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي». فنهض القوم وهم يقولون لإبي طالب مستهزئين ، ليهنك اليوم أنْ دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميراً عليك! وروي أنّه جمعهم مرّة خمسة وأربعين رجلاً وفيهم أبو لهب ، فظنّ أبو لهب أنّه يُريد أنْ ينزع عمّا دعاهم إليه ، فقام إليه فقال له : يا محمّد ، هؤلاء عمومتك وبنو عمّك قد اجتمعوا فتكلّم ، واعلم أنّ قومك ليست لهم بالعرب طاقة. فقام (ص) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «إنّ الرّائد لا يكذب أهله ، والله الذي لا إله ألاّ هو ، أنّي رسول الله إليكم حقّاً خاصة وإلى النّاس عاُمّة. والله ، لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقضون ، ولتحاسبن كما تعلمون ، ولتجزون بالإحسان إحساناً ، وبالسوء سوءاً ، وأنّها الجنّة أبداً والنّار أبداً. إنّكم أوّل من اُنذرتم». فآمن به قوم من عشيرته ، وكان أوّل من آمن به علي بن ابي طالب (ع). بُعث رسول الله (ص) يوم