كربلاء ؛ ليدفع عنه عسكر ابن سعد وينقل له الماء بدرقته من الفرات حين حال الأعداء بينه وبين الماء ، كما نقل الماء بدرقته إلى رسول الله من المهراس. وياليت فاطمة الزّهراء (ع) التي بكت من جرح واحد أصاب أباها رسول الله ، نظرت إلى ولدها وفلذة كبدها الحسين (ع) حين أصابه اثنان وسبعون جراحة ما بين رمية وطعنة وضربة ، فكانت تُضمّد جراحاته كما ضمّدت جرح أبيها رسول الله (ص). وما أدري ما كان يجري على فاطمة لو نظرت إلى الجرح الذي في صدر ولدها الحسين (ع)؟! وذلك حين رماه خولي بن يزيد بسهم مُحدّد مسموم له ثلاثُ شعب فوقع على صدره ، فقال : «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله (ص)». ثُمّ أخذ السّهم فأخرجه ، فانبعث الدّم كأنّه ميزاب.
أفاطم لو خِلت الحسينَ مُجدّلاً |
|
وقد مات عطشاناً بشطِّ فُراتِ |
إذاً للطمت الخدّ فاطمُ عندهُ |
|
وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ |
أفاطم قومي يابنة الخير واندُبي |
|
نجومَ سماوات بأرض فلاةِ |
ولمّا رجع رسول الله (ص) إلى المدينة ، استقبلته فاطمة عليهاالسلام ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه (١) ، ولحقه أمير المؤمنين (ع) وقد خضب الدّم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار ، فناوله فاطمة عليهاالسلام ، وقال لها : «خُذي هذا السّيف فقد صدقني اليوم». وأنشأ يقول :
أفاطمُ هاك السّيفَ غيرَ ذميمِ |
|
فلستُ برعديدٍ ولا بمليمِ |
لعُمري لقد اعذرت في نصر أحمدٍ |
|
وطاعةِ ربٍّ بالعباد عليمِ |
أميطي دماءَ القوم عنه فإنّه |
|
سقى آل عبد الدّار كأس حميم |
وقال رسول الله (ص) : «خُذيه يا فاطمة ، فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قَتل الله بسيفهِ صناديد قُريش». كأنّي بفاطمة عليهاالسلام لمّا أعطاها أمير المؤمنين (ع) سيفه ذا الفقار ، وهو مُخضّب بالدّماء ، تناولته وجعلت تغسل الدّماء عنه ، وهي فرحة مسرورة حين رأت ابن عمّها قد أقبل سالماً ظافراً منصوراً على أعدائه ، يحملُ اللواء
____________________
(١) هذه رواية المُفيد ، وهي تدلّ على أنّ فاطمة عليهاالسلام كانت باقية بالمدينة لم تخرج إلى اُحد ، وهي الأقرب إلى الاعتبار. وما تقدّم من أنّها أتت وجعلت تُعانقه وتبكي وأحرقت حصيراً ... إلى آخره ، يدلّ على أنّها كانت باُحد ، وهي رواية ابن الأثير ، ويجوز أنْ تكون خرجت إلى اُحد ثُمّ رجعت واستقبلت أباها حين رجوعه ، والله أعلم.