المجلس الثّامن عشر بعد المئة
لمّا كان يوم اُحد ، دعا جبير بن مطعم غلامه وحشي بن حرب ، وكان حبشيّاً يقذف بالحربة قلّما يخطئ ، فقال له : اخرج مع النّاس ، فإنْ قَتلت عمّ محمّد ـ يعني حمزة ـ بعمّي طعيمة بن عدي ، فأنت عتيق. وكانت هند جعلت لوحشي جعلاً على أنْ يقتل رسول الله (ص) ، أو أمير المؤمنين (ع) ، أو حمزة ، فقال : أمّا محمّد فلا حيلة لي فيه ؛ لأنّ أصحابه يطيفون به ؛ وأمّا علي فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذّئب ؛ وأمّا حمزة فإنّي أطمع فيه ؛ لأنّه إذا غضب لم يبصر بين يديه. وكانت هند كُلّما مرّت بوحشي أو مرّ بها ، قالتّ له : اشف واشتف. قال وحشي : إنّي والله ، لأنظر إلى حمزة وهو يهدّ النّاس بسيفه ، ما يلقى شيئاً يمرّ به إلاّ قتله. قال : فهززت حربتي ودفعتها عليه ، فوقعت في أسفل بطنه حتّى خرجت من بين رجليه ، وأقبل نحوي فغُلب فوقع ، فأمهلته حتّى مات فأخذت حربتي ثُمّ تنحّيت إلى العسكر. قال ابن الأثير : ووقعت هند وصواحباتها على القتلى يُمثّلن بهم ، واتّخذت هند من آذان الرّجال وآنافهم خلاخل وقلائد ، وأعطت خلاخلها وقلائدها وحشيّاً ، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها ، وجدعت أنفه واُذنيه ومثّلت به. ووجد حمزة ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده ومُثّل به ، فحين رآه رسول الله (ص) ، لم يرَ منظراً كان أوجع لقلبه منه ، فقال : «لولا أنْ تحزن صفيّة ـ وهي اُخت حمزة ـ أو تكون سنّة بعدي ، لتركته حتّى يكون في أجواف السّباع وحواصل الطّير ، ولئن أظهرني الله على قُريش ، لاُمثّلن بثلاثين رَجُلاً منهم». وقال المُسلمون : لنُمثّلن بهم مثلة لم يُمثّلها أحد من العرب. فأنزل الله في ذلك : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ فعفا رسول الله (ص) وصبر ونهى عن المُثلة ولو بالكلب العقور ألا قاتل الله أهل الكوفة ؛ فإنّه لم يكفهم قتل أبي عبد الله الحسين (ع) بن بنت رسول الله (ص) حتّى مثّلوا به وبأصحابه ؛ قطعوا الرّؤوس وشالوها على رؤوس الرّماح من بلد إلى بلد ، وداسوا بحوافر خيلهم جسد