الحسين (ع) حتّى هشّمت الخيل أضلاعه ، وطحنت جناجن صدره.
لم يكفِ أعداهُ مَثْلُ القتلِ فابتَدرتْ |
|
تُجري على جسمهِ الجُردَ المحاضيرا |
وأقبلت صفيّة بنت عبد المطّلب اُخت حمزة ، فأمر النّبي (ص) ابنها الزّبير أنْ يردّها ؛ لئلا ترى ما بأخيها حمزة. بأبي صاحب الشّفقة والرّأفة! ما أحب أنْ تنظر صفيّة إلى أخيها حمزة وهو مقتول وقد مُثّل به ؛ خوفاً أنْ يشتّد حزنها وبكاؤها ؛ لأنّها امرأة ، ومن شأن النّساء الجزع ورقّة القلب ، وأهل الكوفة مرّوا ببنات رسول الله (ص) على مصرع الحسين (ع) وأصحابه ، فلمّا نظر النّسوة إلى القتلى وهم جثث بلا رؤوس ، صحن وضربن وجوههن ، وجعلت زينب تُنادي : يا محمّداه! هذا حسين مرملٌ بالدّماء ، مُقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا. فأبكت كُلّ عدو وصديق.
لو انّ رسولَ الله يبعث نظرةً |
|
لردّت إلى إنسان عينِ مُؤرقِ |
وهان عليه يومُ حمزةَ عمّه |
|
بيوم حُسينٍ وهو أعظم ما لقي |
ونال شجىً من زينبٍ لم ينله من |
|
صفيّة إذ جادت بدمعٍ مرقرقِ |
فكمْ بين مَن للخدر عادت مصونةً |
|
ومَن سيّروها في السّبايا الجلّق |
وأمر رسول الله (ص) بدفن الشّهداء ، فكان كُلمّا اُتي إليه بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما. وفي رواية : إنّ رسول الله (ص) خصّه بسبعين تكبيرة. فياليت رسول الله كان حاضراً يوم استشهد ولده الحسين (ع) وأصحابه ، فيُصلي عليه وعلى أصحابه ويأمر بدفنهم حتّى لا يبقوا ثلاثة أيام بلا دفن ، وهم مطروحون على الرّمضاء مجزّرون كالاضاحي ، جثث بلا رؤوس حتّى جاء بنو أسد وصلّوا عليهم ودفنوهم.
مجرّدين على الرّمضاء قد لبسوا |
|
من المهابة أبراداً لها قشبا |
مُضرّجين بمحمرّ النّجيع بنى |
|
نبل العدى والقنا من فوقهم قببا |
ولمّا رجع رسول الله إلى المدينة ، مرّ بدارٍ من دور الأنصار ، فسمع البكاء والنّوائح ، فذرفت عيناه بالبكاء وقال : «لكن حمزة لا بواكي له». فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم أنْ يذهبن فيبكين على حمزة ، ويُقال : إنّ أهل المدينة إلى اليوم إذا أرادوا البكاء على ميت بدؤوا بحمزة. يُستفاد من هذا رجحان البُكاء على الشّهداء ، لا سيّما شهيد كربلاء أبي عبد الله الحسين (ع) الذّي لو كان رسول الله حيّاً لكان هو المُعزّى به والباكي عليه ، وقد قال الحسين (ع) : «أنا قتيل العبرة