زوجتان وعريشان ، ففرشت زوجتاه عريشيه وبرّدتا له الماء وهيّأتا له طعاماً ، فلمّا نظر إليهما قال : لا والله ، ما هذا بانصاف ، رسول الله قد خرج في الحرّ والرّيح يجاهد في سبيل الله وأبو خيثمة قاعد في عريشه! فلحق برسول الله (ص) ، فنظر النّاس إلى راكب فأخبروا رسول الله (ص). فقال : «كنْ أبا خيثمة». فاقبل وأخبر النّبي (ص) بما كان ، فجزاه خيراً ودعا له. وكان ممّن تخلّف أبو ذر ؛ لأنّ جمله كان أعجف ، فلحق به بعد ثلاثة أيام. ووقف عليه جمله في الطّريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره ، فلمّا ارتفع النّهار ، نظر المسلمون إلى شخص مقبل ، فقال رسول الله (ص) : «كنْ أبا ذر». فقالوا : هو أبو ذر. فقال رسول الله (ص) : «أدركوه بالماء فإنّه عطشان». فأدركوه بالماء. هكذا جرت العادة ، إنّ كلّ من يقبل وهو عطشان يؤتى له بالماء خصوصاً في حال الحرب إلاّ علي الأكبر ، فإنّه لمّا رجع من الحرب إلى أبيه الحسين (ع) وهو عطشان ، جعل يقول : يا ابتِ ، العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني. فلم يؤت له بالماء ، لماذا؟ ألم يكن عزيزاً على الحسين (ع) فيامر له بالماء؟ بلى والله ، قد كان عزيزاً عليه وفلذة من كبده ، ولكن الماء قد كان ممنوعاً عن الحسين (ع) وأطفاله من قبل ثلاثة أيام. وتدل الرّواية أنّه قد تكرّر من علي الأكبر طلب الماء من أبيه ، يقول الرّاوي : فجعل علي الأكبر يشدّ على القوم ثُمّ يرجع إلى أبيه ، فيقول : يا ابت ، العطش. فيقول له الحسين (ع) : «اصبر حبيبي ، فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله بكأسه».
قضوا عطشاً يا للرجال ودونهمْ |
|
شرائعُ لكن ما اُبيح ورودُها |
شرائعُ لكن ما اُبيح ورودُها |
|
عداها عن الورد المُباح تذودُها |
تموتُ ظماً شبّانها وكهولُها |
|
ويفحص من حرِّ الأوام وليدُها |
ووافى أبو ذر رسول الله (ص) ومعه أداوة فيها ماء ، فقال رسول الله : «يا ابا ذر ، معك ماء وعطشت؟». فقال : نعم يا رسول الله بأبي أنت واُمّي! انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماء ، قذفته فإذا هو عذب بارد ، فقلت لا اشربه حتّى يشربه حبيبي رسول الله (ص). لنعم الإيثار إيثار أبي ذر رضي الله عنه لرسول الله بالماء على نفسه وهو عطشان! ولكن أين هو من إيثار أبي الفضل العبّاس لأخيه الحسين (ع) بالماء يوم عاشوراء؟ وذلك لمّا جاء إلى أخيه الحسين (ع) واستأذنه في القتال ، فقال له الحسين (ع) : «أنت حامل لوائي». فقال : لقد ضاق صدري وسئمت الحياة. فقال له الحسين (ع) : «إنْ عزمت فاستسق لنا ماء». فأخذ قربته وحمل على القوم حتّى ملأ القربة ، واغترف من الماء غرفة ثُمّ ذكر عطش أخيه الحسين (ع) فرمى بها ، وقال :