المدينة. وقيل له : أيّ البلاد أبغض إليك أنْ تكون فيها؟ قال : الرّبذة التّي كنت فيها على غير دين الإسلام. فنفي إلى الرّبذة. وقال له رسول الله (ص) في غزاة تبوك : «يا أبا ذر ، تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتُبعث وحدك». ودخل عليه قوم من أهل الرّبذة يعودونه ، فقالوا : ما تشتكي؟ قال : ذنوبي. قالوا : فما تشتهي؟ قال : رحمة ربي. قالوا : فهل لك بطبيب؟ قال : الطّبيب أمرضني. ولمّا نُفي إلى الرّبذة ، ماتت بها زوجته (١) ، ومات بها ولده ، فوقف على قبره فقال : رحمك الله يا بُني ، لقد كنت كريم الخلق بارّاً بالوالدين ، وما عليّ في موتك من غضاضة ، وما بي إلى غير الله من حاجة ، وقد شغلني الإهتمام لك عن الاعتماد بك. ثُمّ قال : اللهمَّ ، إنّك فرضت لك عليه حقوقاً وفرضت لي عليه حقوقاً ، فإنّي قد وهبت له ما فرضت عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك ، فإنّك أولى بالحقّ والكرم منّي. أين وقوف أبي ذر على ولده بعد موته من وقوف أبي عبد الله الحسين (ع) على ولده علي الأكبر يوم كربلاء؟ وذلك حين حمل على أهل الكوفة وجعل يشدّ على النّاس ، فاعترضه مُرّة بن مُنقذ وطعنه بالرّمح. وقيل : بل رماه بسهم فصرعه فنادى : يا ابتاه! عليك السّلام ، هذا جدّي رسول الله يقرؤك السّلام ، ويقول لك : «عجّل القدوم علينا». واعتوره النّاس فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين (ع) حتّى وقف عليه ، وقال : «قتل الله قوماً قتلوك يا بُني ، ما أجرأهم على الرّحمن وعلى انتهاك حُرمة الرّسول! على الدّنيا بعدك العفا». وخرجت زينب بنت علي (ع) وهي تُنادي : يا حبيباه! ويابن أخاه! وجاءت فأكبّت عليه ، فجاء الحسين (ع) فأخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط ، وأقبل بفتيانه وقال : «احملوا أخاكم». فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
وأعضاءُ مجدٍ ما توزّعت الظّبا |
|
بتوزيعها إلاّ النّدى والمعاليا |
لئن فرّقتها آلُ حربٍ فلم تكُنْ |
|
لتجمع حتّى الحشر إلاّ المخاريا |
_____________________
(١) وقيل : زوجته بقيت بعد وفاته.