المجلس الحادي والثّلاثون بعد المئة
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : إنّ عثمان لمّا أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال ، واختصّ زيد بن ثابت بشيء منها ، جعل أبو ذر يقول بين النّاس وفي الطّرقات والشّوارع : بشّر الكافرين بعذاب أليم. ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى : (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فرُفع ذلك إلى عثمان مراراً وهو ساكت ، ثُمّ إنّه أرسل إليه : أنْ انتهِ عمّا بلغني عنك. فقال أبو ذر : أينهاني عن قراءة كتاب الله تعالى وعيب مَن ترك أمر الله؟! فوالله ، لإنْ اُرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أنْ أسخط الله برضى عثمان. فاغضب عثمان ذلك ، فتصابر إلى أنْ قال عثمان يوماً والنّاس حوله : أيجوز للامام أنْ يأخذ من المال شيئاً قرضاً ، فاذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار : لا بأس بذلك. فقال أبو ذر : يابن اليهوديين ، أتعلّمنا ديننا؟! فقال عثمان : قد كثر أذاك لي وتولّعك بأصحابي ، الحقْ بالشّام. فأخرجه إليها. وكان معاوية يومئذٍ بالشّام والياً عليها من قِبل عثمان ، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، فبعث إليه معاوية يوماً ثلاثمئة دينار ، فقال أبو ذر لرسوله : إنْ كانت من عطائي الذي حرمتمونيه من عامي هذا ، أقبلها ، وإنْ كانت صلة ، لا حاجة لي فيها وردّها عليه. ثُمّ بنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال أبو ذر : يا معاوية ، إنْ كانت هذه من مال الله فهي الخيانة ، وإنْ كانت من مالك فهي الإسراف. وكان أبو ذر يقول بالشّام : والله ، لقد حدثت أعمال ما أعرفها. والله ، ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه (ص). والله ، إنّي لأرى حقّاً يُطفأ ، وباطلاً يحيا ، وصادقاً مكذَّباً ، واثرة بغير تقىً ، وصالحاً مستأثَراً عليه. وروي عن ابن جندل الغفاري قال : جئت يوماً إلى معاوية فسمعت صارخاً على باب داره يقول : أتتكم القطار بحمل النّار. اللهمّ ، إلعن الآمرين بالمعروف التاركين له. اللهمّ ، إلعن النّاهضين عن المنكر المرتكبين له. فازبأرّ معاوية وتغيّر لونه ، وقال لي : أتعرف الصّارخ؟ فقلت : لا. قال : من عذيري من جندب بن