فنظر بعضنا إلى بعض ، فحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا لعظيم المصيبة ، ثُمّ أقبلنا معها فجهّزناه وتنافسنا في كفنه حتّى اُخرج من بيننا بالسّواء ، ثُمّ تعاونّا على غسله حتّى فرغنا منه ، ثُمّ قدمنا مالك الأشتر فصلّى بنا عليه ، ثُمّ دفنّاه. فقام الأشتر على قبره ، ثُمّ قال : اللهمّ ، إنّ هذا أبو ذر صاحب رسولك ، عبدك في العابدين ، وجاهد فيك المشركين ، لم يُغيّر ولم يُبدّل ، لكنّه رأى مُنكراً فغيّره بلسانه وقلبه حتّى جفي ونفي ، وحرم واحتقر ، ثُمّ مات وحيداً غريباً. اللهمّ ، فاقصم مَن حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك. قال : فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا آمين. ثم قدّمت الشّاة التّي صنعت ، فقالت : أيها الصّالحون ، قد اقسم عليكم أنْ لا تبرحوا حتّى تتغدّوا ، فتغدّينا وارتحلنا. أفما كان يوجد يوم عاشوراء مَن يقف على قارعة طريق كربلاء ، لمّا بقي الحسين (ع) ثلاثة أيام بلا دفن فيُنادي : أيّها المسلمون ، هذا إمامكم وابن بنت نبيّكم الحسين ، قد قُتل غريباً ، وتُرك على وجه الصّعيد عرياناً سليباً ، لم يصلَّ عليه ، ولم يُدفن فهلمّوا إلى مواراته ودفنه؟! لقد تعس اُولئك المسلمون وخسروا وخابوا وما ظفروا ، خذلوا ابن بنت نبيّهم وقتلوه ، وأطاعوا ابن مرجانة ونصروه.
لله ملقىً على الرّمضاء غصَّ بهِ |
|
فمُ الرّدى بعد إقدامٍ وتشميرِ |
تحنو عليه الرّبى ظلاً وتسترهُ |
|
عن النّواظر أذيالُ الأعاصيرِ |
تهابه الوحشُ أنْ تدنو لمصرعهِ |
|
وقد أقام ثلاثاً غير مقبورِ |