وقال أنس : كنت عند الحسين (ع) فدخلت عليه جارية ، فحيّته بطاقة ريحان ، فقال لها : «أنتِ حرّة لوجه الله تعالى». قال أنس : فقلت تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها! قال (ع) : «كذا أدّبنا الله ، قال الله تعالى : وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا (١). وكان أحسن منها عتقها». وقال (ع) : «صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ؛ فأكرم نفسك عن رَدّه». ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب ، أنّه لمّا التقى مع الحُرّ بن يزيد ـ وكان مع الحرّ زهاء ألف فارس ـ وكان الحسين (ع) في سَحر ذلك اليوم أمر فتيانه أنْ يستقوا من الماء ويكثروا ، ففعلوا. ووقف الحرّ وخيله مقابل الحسين (ع) في حَرّ الظهيرة ، فقال الحسين (ع) لفتيانه : «اسقوا القوم وارووهم من الماء ، وارشفوا الخيل ترشيفاً» : أي أسقوها قليلاً. وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس ، فاذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً ، عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها عن آخرها. أتدرون ما كان جزاء الحسين (ع) من الأعداء على سقيه إيّاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء؟ نعم ، كان جزاؤه منهم أنْ حالوا بينه وبين ماء الفرات ، وبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء. وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان ذلك قبل قَتل الحسين (ع) بثلاثة أيام.
منَعوهُ شُربَ الماءِ لا شَرِبوا غداً |
|
من كفِّ والده البطينِ الأنزع |