ونصره. ولمّا قنَتَ أمير المؤمنين (ع) على خمسة : معاوية وعمرو بن العاص وأبي الأعور السّلمي وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطاة ، قنَتَ معاوية على خمسة : علي والحسن والحسين عليهمالسلام ، وعبد الله بن العبّاس ومالك الأشتر رحمهما الله. ولمّا برز عبد الله بن الزّبير يوم الجمل ودعا إلى المبارزة ، برز إليه الأشتر ، فقالت عائشة : مَن برز إلى عبد الله؟ قالوا : الأشتر. فقالت : وا ثكل اسماء! وهي اُمّ عبد الله بن الزّبير ، اُخت عائشة. فضرب كلّ منهما صاحبه فجرحه ، ثُمّ اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله وقعد على صدره ، واختلط الفريقان هؤلاء لينقذوا عبد الله وهؤلاء ليعينوا الأشتر ، وكان الأشتر طاوياً ثلاثة أيام لم يأكُل ـ وكانت هذه عادته في الحرب ، وكان أيضاً شيخاً كبير السّن ـ فجعل عبد الله يُنادي من تحته : اقتلوني ومالكاً ، واقتلوا مالكاً معي! فلم يدرِ النّاس مَن مالك ، وإنّما كان يُعرف بالأشتر ، فلو قال : اقتلوني والأشتر لقتلوهما. فأفلت ابن الزّبير من تحته ولم يكد ، فقال الأشتر في ذلك :
أعائشُ لولا أنّني كنتُ طاوياً |
|
ثلاثاً لألقيتِ ابنَ اختكِ هالكا |
غداةَ ينادي والرّجالُ تحوزُهُ |
|
بأضعفِ صوتٍ اقتلوني ومالكا |
فلمْ يعرفوه إذْ دعاهمْ وغمُهُ |
|
خِدبٌ (١) عليه في العجاجةِ باركا |
فنجّاه منّي أكلُهُ وشبابُهُ |
|
وأنّيَ شيخٌ لم أكُنْ متماسكا |
ودخل الأشتر على عائشة بعد انقضاء حرب الجمل ، فقالت : أنت الذي صنعت بابن اُختي ـ أي عبد الله بن الزّبير ـ ما صنعت؟ قال : نعم ، ولولا أنّي كنت طاوياً ثلاثة أيام لأرحت اُمّة محمّد (ص) منه. قالت : أما علمت أنّ رسول الله (ص) ، قال : «لا يحلّ دم مسلم إلاّ بأحد اُمور ثلاثة : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق»؟ فقال : على بعض هذه الثّلاثة قاتلناه يا اُمّ المؤمنين. والله ، ما خابني سيفي قبلها ، ولقد أقسمت أنْ لا يصحبني بعدها. وفي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشّعر.
وقالتْ على أيِّ الخصالِ صرعتهُ |
|
بقتلٍ أتى أمْ ردّةٍ لا أبا لكا |
أمْ المُحصَنِ الزّاني الذي حلّ قتلُهُ |
|
فقلتُ لها لا بدّ من بعض ذلكا |
ومات الأشتر رحمه الله شهيداً ، دسّ إليه معاوية السمّ في شربة من عسل ، فلمّا بلغه موته ، قال : إنّ لله جنوداً من عسل. ولمّا بلغ موته إلى أمير المؤمنين (ع) ، حزن عليه حزناً شديداً ، وقال : «مالك ، وما أدراك ما مالك! وهل تلد النّساء مثل مالك؟! لو كان حجراً
_____________________
(١) شيخ أو عظيم.