مشرف على الموت ، فلم يستطع أنْ يدفع عن نفسه ، فطعنه رجل فصرعه ثانية ، وسحبه آخر برجله حتّى أتى به عليّاً (ع) ، فناشده الله ، وقال : يا أمير المؤمنين ، اعفُ عنّي فإنّ العرب لم تزل قائلة عنك : إنّك لم تجهز على جريح قط. فعفا عنه واطلقه ، فجاء إلى أصحابه ، وحضره الموت ، فقيل له : دمك عند أي النّاس؟ فقال : ضربني فلان وفلان وصاحبي الأشتر. فقالت ابنته ترثيه :
يا ضبُّ إنّك قد فُجعتَ بفارسٍ |
|
حامي الحقيقة قاتلِ الأقرانِ |
حامي الحقيقة قاتلِ الأقرانِ |
|
كلُّ القبائلِ من بني عدنانِ |
لو غيرُ الاشترِ نالَهُ لندبتُهُ |
|
وبكيتهُ ما دام هضب أبانِ (١) |
لكنّه مَنْ لا يُعاب بقتلهِ |
|
أسدُ الاُسود وفارسُ الفرسانِ |
وكانت العرب إذا قُتل منها قتيل ، وكان قاتله رجلاً جليلاً ، تسلّت عنه ولم تحزن عليه ، وإذا كان قاتله من الأنذال ، عظم ذلك عليها وزاد في حزنها ؛ ولذلك لمّا قتل علي (ع) عمرو بن عبد ود ، وسألت اُخته عن قاتل أخيها ، فقيل لها : علي بن أبي طالب ، قالت : قتلة شريفة بيد شريف. والله ، لا أبكي على أخي. وأنشأت تقول :
لو كان قاتلُ عمروٍ غيرَ قاتلِهِ |
|
لكنتُ أبكي عليه آخرَ الأبدِ |
لكنّ قاتلَهُ مَن لا يُعاب |
|
بهِ مَن كان يُدعى أبوه بيضةَ البلدِ |
ولهذا أيضاً عظُم حزن زينب بنت أمير المؤمنين (ع) على أخيها الحسين (ع) لمّا علمت أنّ قاتله الأنذل الرّذل ، شمر بن ذي الجوشن. وكان مما ندبت به أخاها الحسين (ع) أنْ قالت مُخاطبة لجدّها رسول الله (ص) : يا محمّداه! هذا حسين بالعرا ، تسفي عليه ريح الصّبا ، قَتيل أولاد البغايا. وآحزناه! وأكرباه عليك يا أبا عبد الله!
أمثلَ شمرٍ أذلّ اللهُ جبهتَهُ |
|
يلقى حُسيناً بذاك المُلتقى الخشنِ |
يا حسرةَ الدّينِ والدّنيا على قمرٍ |
|
يشكو الخسوفَ من العسّالة اللدنِ |
____________________
(١) هَضْب ، بفتح الهاء وسكون الضّاد : جمع هضبة. وأبان : جبل.